ثمة أقوال مشهورة لوزير الدعاية النازية في زمن ادولف هتلر، جوزف غوبلز، وأشهرها مقولته: “اكذب.. اكذب حتى يصدقك الناس، ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك”.
كما أن له مقولات أخرى أبرزها: “كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي”، لأنه بالنسبة لمن يريد أن يتكلم في الجمهور تعتبر الثقافة خطيرة، لأنها تشخص المسؤول عن المعاناة وبؤس الناس وشقائهم. فالعلم مزعج جداً عندما يؤكد الحق المسلوب ومن الذي سلبه، وكيف تسترده، ولهذا فغوبلز على حق، حين يقول أن يده على الزناد كلما سمع كلمة ثقافة، تماماً كما هي حال السيد الأميركي الآن في زمن العولمة، وقبلها منذ أن احتل الرجل الأبيض الأوربي القارة الجديدة.
فمنذ أن خرج كريستوف كولمبوس من أسبانيا، عام 1492، ليستقر في أميركا الوسطى، كانت نظرية “أكذب ثم أكذب”، إذ أنه منذ لحظة وصول ، كريستوف كولمبوس ومرتزقته البيض الى القارة الجديدة التي كان يعتقد انها الطرف الآخر لآسيا ،بدأت عمليات الإبادة الجماعية ،إذ كان الفلكيون الذين رافقوا كولومبوس قد أعلموه أن خسوفاً كاملاً، سيحصل بعد أيام.
ولما كان الرجل وبحارته قد وصلوا منهكين متعبين بالإضافة الى نفاذ مؤنتهم، ووجدهم السكان الاصليون او ما اطلقوا عليهم ” الهنود الحمر ” مرميون على الشواطئ، فعمدوا الى اسعافهم ومساعدتهم، وهنا لاحظ زعيم الغزاة (كولمبوس)تقديس السكان للقمر ، فأكد لهم بأنه سيسرق القمر منهم إذا لم يمنحوه الطعام والتموين، الذي يكفي طاقمه للبقاء على قيد الحياة.
لم يصدّق الهنود الحمر، أن كولومبوس، قادر على تنفيذ تهديده، فلما غاب القمر، بالفعل جاء “الهنود” يتوسّلون كولومبوس لإعادته إليهم، بعد أن تعهّدوا بتنفيذ جميع أوامره حرفياً، وفي الليلة التالية عاد القمر مكتملاً معتقدين بأن كولومبوس هو من قام بإعادته إليهم، ومنذ حصول تلك الحادثة ربح “الهنود الحمر” طقوسهم الاحتفالية بالقمر، ولكنهم خسروا قارة كاملة بثرواتها العملاقة، إضافة الى ما قام به الغزاة من عمليات قتل وترهيب وترويع ،حينما اخذوا يفرغون رصاص بنادقهم بأصحاب الأرض والبلاد، حاصدين عشرات الآف وربما مئات الآف القتلى من البشر في ليالي ونهارات الدم الأميركية، وبعدها، قتل الغزاة مئات الآلاف من البشر ممن بقيوا أحياء، حينما أعطوا السكان الأميركيين الأصليين أغطية وحرامات مشبعة بالكوليرا، مما تسبب بفناء الناس، بأبشع جريمة في التاريخ.
وقد برر كولومبوس معاملته الوحشية للسكان الأصليين برسالة بعثها لملك أسبانيا ذكر فيها، “أرواح الهنود الأصليين ليست كروح الإنسان، بل هي حيوانية لا تستحق النعمة ولا يشملها الخلاص الإلهي”.
ويضيف كولومبوس أنه “وعلى الرغم من غنى تلك الأراضي، بالذهب فإن السكان الأصليين عراة وتافهون وبرابرة” .
التاريخ الأمبريالي الأميركي كله، معاداة للجنس البشري، واستقواء وطموح جارف وقاتل للسيطرة على الكون، لقد كان الأميركيون يحذرون من ارتفاع عدد سكان المعمورة منذ زمن بعيد. فقد قال وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت مكنمارا في خطاب له أمام نادي روما عام 1979:”إن الارتفاع الصاروخي لعدد سكان العالم يشكل أكبر عائق أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي في العالم، لهذا ينبغي علينا الآن وليس غداً أن نمنع وصول عدد سكان الكون إلى عشرة مليارات نسمة .
ورأى مكنمارا ” أن هناك طريقتين لتحقيق ذلك، إما بتخفيص معدل الولادات في أصقاع العالم، أو برفع معدل الوفيات. والطريقة الأخيرة يمكن أن تتحقق بعدة أساليب، ففي هذا العصر النووي يمكن للحروب أن تؤدي الغرض بسرعة فائقة وناجعة للغاية. وهناك طبعاً المجاعة والأمراض”.
الأجيال الصاعدة في الكون تلاحظ بشكل واضح اتجاهات الكذب والرياء في العلاقات الدولية، ويصب في مقدمها الخطابات والدعايات الموجهة إلى شعوب الأرض، لتضليلهم عن حقيقة الأوضاع، ربما هنا أيضاً تأتي مقولة لغوبلز، التي نفذها وينفذها السيد الأميركي منذ قرون: “أعطني إعلاماً بلا ضمير، اعطيك شعباً بلا وعي”.
والأمثلة الأميركية عن الكذب والتضليل الإعلامي لاتعد ولا تحصى، فتاريخ واشنطن في تعاملها السياسي والاقتصادي مع دول وشعوب العالم خلال القرون الثلاثة الأخيرة حافلة بالكذب والخداع.. والحرائق والدمار الدم”.
وهذا ما لنا عودة إليه.
أحمد زين الدين
الثبات,أقلام الثبات ,الخميس 30 حزيران , 2022