منذ الاستقلال في العام 1943، ونحن نعيش الأزمات، التي تتناسل وتتكاثر وتتجمع، وفي كل مرة تنفجر لتطال شظاياها وشراراتها وكوارثها اللبنانيين، رغم أن بيان الحكومة الاستقلالية الأولى وضع الأصبع على الجرح اللبناني النازف دائماً، حيث أعلن البيان أن الحكومة “ستبادر لإصلاح الدستور اللبناني بحيث يصبح ملائماً لمعنى الاستقلال الصحيح وإلغاء المواد التي لا يتفق وجودها وقيام الاستقلال، ومنها ما يجعل لغير اللبنانيين مشاورة في تسيير شؤونه”.
هل تغير شيء؟
لاحظوا جيداً: “ومنها ما يجعل لغير اللبنانيين مشاورة في تسيير شؤونه”.
ثمة حقيقة، يجب الاعتراف بها رغم مرارتها أنه منذ الاستقلال ونحن على فوهة البركان، وندار بالحبال، أو بخيوط الحرير.
الجميع تقريباً مسلم بأن هذا النظام السياسي مولد للأزمات والفساد، والآن يبلغ أقصى أزماته، ويطال كل النواحي:
النظام السياسي في أزمة دائمة، النظام المصرفي الآن في أزمة عميقة، رغم أنه سطا على أموال الناس والمودعين، ورغم أنه كان جزءاً من آلية النظام السياسي، وكان للمصارف دائماً وجود في أي حكومة، النظام الإداري هلهل وبحاجة إلى نفضة شاملة، النظام الاقتصادي، حدث ولا حرج، أزمات النظام لا حدود لها.
بيد أن الفساد في لبنان لا ينحصر بالنظام السياسي، وبالنخبة السياسية أو معظمها، وبات هذا الفساد يعم النظام العام (أي الدولة) في كل المجالات: المالية، المصرفية، الاقتصادية، الإدارية، القضائية، وهلم جرا… .
والفساد هنا أيضاً بات يتعدى النظام العام، إلى المجتمع في مجالاته: الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية والتربوية والفنية، بشكل يمكن القول فيه، أن الفساد تجاوز الطبقة السياسية إلى النظام السياسي الذي يوفر لها أسباب الفساد، وهو أيضاً (أي الفساد) وصل إلى النظام العام وتجاوزه إلى الاجتماع العام في كل ميادينه وحقوله.
كثير وواسع الكلام عن أسباب الانهيار الذي وصل إليه لبنان، ولذلك أسباب إضافية عديدة من أسبابها: النموذج الاقتصادي اللبناني الحر بشكل فوضوي وعشوائي، النظام المصرفي المهيمن وما يتبعه من مصارف ومؤسسات مالية، الطائفية، ثقافة السلطة ورجالها، النظام السياسي، ثقافة التبعية، الاحتلال والعدوانية الإسرائيلية المتواصلة والمستمرة منذ العام 1948، الخضوع للنفوذ الخارجي المتعدد الأشكال والتماهي الداخلي مع هذا النفوذ.
هذا النفوذ، إضافة إلى دور العدو “الإسرائيلي” الذي تسبب بالخسائر المادية والاقتصادية والأضرار المتعددة التي لحقت وتلحق بـ”وطن الأرز”، والذي كان دائماً يجد في الداخل اللبناني من يتفاعل مع هذا العدو كما حصل في العديد من المرات (1951، 1957 – 1958، 1975 – 1989).
كل ذلك من دون أي اعتماد على خيارات وطنية اقتصادياً وسياسياً، وتنويع الاقتصاد، صناعياً وزراعياً، وانتاجياً، إضافة إلى الخدمات والصيرفة، وكان يمكنها بالتالي أن تفيد لبنان وتعود بالنفع على اللبنانيين.
بأي حال في كل عهد في لبنان كان له فساده ومفسديه فماذا في التفاصيل.
إلى الحلقة المقبلة.
أحمد زين الدين
الثبات,أقلام الثبات ,الإثنين 12 أيلول , 2022