إلى أين تتجه القارة العربية، بعد أن وصلت إلى الدرك الأخير.
كل الأمم والشعوب ترتقي وتتطور وتتفاعل مع الزمن والأحداث التي تمر بها، إلّا العرب.
الأمبراطوريات القديمة كلها تعمل لتستعيد هيبة كانت لها في زمن عتيق غابر.
في زمن أو أزمنة لعبة الأمم، أو العاب الأمم، يتذكر أحفاد الأمبراطوريات القديمة، حروبهم وامتداداتهم، وتوازناتهم، وفتوحاتهم، إلّا العرب، لا يتذكرون إلّا حروب البسوس، وداحس والغبراء.
لم يحدث في تاريخ الأمم، والشعوب والأمبراطوريات، والدول الصغرى أو الكبرى، أن تخلى أحد عن مصدر قوته أو عزته إلّا العرب.
في حرب تشرين عام 1973، الذي حقق فيها الجيشان العربي السوري والمصري انتصارات مذهلة أطاحت بعقل الشمطاء غولدا مائير، اطاح أنور السادات بالنصر، والتزم بنصائح الثعلب الصهيوني هنري كسينجر، الذي وصفه الرئيس الراحل سليمان فرنجية بعد لقائه في شهر كانون الأول 1973في قاعدة رياق الجوية، بقوله: “ما هذا الشيطان”، وبدأ سياسة الخطوة التي قادت مصر نحو الصلح المنفرد مع العدو.
سورية التي بقيت وحدها في تلك الحرب، حاول حافظ الأسد أن يلملم من الأشلاء العربية بقدر ما يستطيع، فتدخل ياسر عرفات وهواري بو مدين للوساطة مع بغداد لعل العراق يعيد جيشه الذي سحبه إثر موافقة السادات على وقف إطلاق النار، فاشترط بعث العراق الوحدة، فوافق حافظ الأسد على وحدة فورية وبرئاسة أحمد حسن البكر، لكن تبين أن بغداد في حينه في مكان آخر، فاضطر الأسد إلى القبول بوقف إطلاق النار.
بعد خيانة السادات عام 1977، وذهابه إلى القدس المحتلة التي انتهت باتفاقية كامب دايفيد عام 1979، اندفع الأسد الأب لتجميع ما يستطيع من أوراق القوة، ليعوض خروج مصر، فكان أن وقع مع الرئيس العراقي البكر “ميثاق العمل القومي”، لكن سرعان ما انقلب صدام حسين على قريبه البكر، وتسلم السلطة وأطاح بالميثاق القومي.
في قمة فاس في المغرب في 25 تشرين الثاني 1981، طرحت مبادرة ولي العهد السعودي الأمير فهد بن عبد العزيز ((الملك لاحقاً))، للسلام مع الكيان الصهيوني، لكن هذه القمة وصلت إلى الطريق المسدود بعد خمس ساعات من انعقادها، لأن سورية رفضت هذه الخطة..إنما بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان في صيف عام 1982، عقدت قمة عربية في فاس أيضاً، أقرت مشروع الملك فهد للسلام، بعد أن تمكنت سورية من إدخال تعديلات هامة عليها منها: انسحاب اسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967، إزالة المستعمرات الأسرائيلية، من هذه الاراضي وعودة الجولان، وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير.
بعد الانجاز، (الإنتصار غير المسبوق ليس في تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني، انما منذ سقوط غرناطة في الاندلس عام 1492م، والذي تمثل في أيار عام 2000 باندحار العدو الاسرائيلي عن معظم الجنوب والبقاع الغربي وباستثناء مزارع شبعا وتلال كفر شوبا)، لم يلتف العرب حول لبنان وانتصاره ومقاومته وجيشه، بل استغلت القمة العربية في بيروت عام 2002 لطرح مبادرة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز للسلام وكانت تحت عنوان “المبادرة العربية” التي خلت من حق عودة الشعب الفلسطيني، لكن تصدي الرئيس اللبناني المقاوم إميل لحود، منع تمرير هذه، دون أن تتضمن حق العودة، فكان له ما اراد بعد طول أخذ ورد، وتهديدات..
في حرب تموز ـ آب 2006 من لا يتذكر موقف مجلس الوزراء السعودي المنعقد برئاسة الملك عبد الله ووصفه المقاومين اللبنانيين البواسل بالمغامرين الذين حققوا انتصاراً مذهلاً، صار يدرس في الأكاديميات العسكرية.
الآن ماذا يجري؟
انبطاح النظام الرسمي العربي، وخصوصاً باعة الكاز العربي، أمام مشيئة “الأمبراطور” الأميركي، بعد أن فعلت عصا التدجين فعلتها، في ظل تتضعضع العراق، وانغماس الأعراب في المؤامرة الكونية على سورية، وإشعال حروب التكفير والإرهاب ضد الدولة الوطنية السورية، تحقيقاً لوصية التلمود، “خراب دمشق، ودمار مصر، وتلاشي بابل”، وقد تحدث عن ذلك مستشار دونالد ترامب، المدعو اليوت ابرامز، ذاك الصهيوني المتعصب، بقوله: “السوريون يصنعون جهنم بايديهم” داعياً الأسد لأن يلتحق بالقافلة العربية وأن يضع يده بيد بينيامين نتنياهو.. لكن، سورية تستمر بالمواجهة والصمود، ودمشق لن تراقص الشيطان أبداً… والعرب على مايبدو مشغولون كيف يراقصون شهرزاد؟
وفي ظل الصمود السوري، عادت خطة تحويل لبنان إلى جهنم، لكن ليعلم الجميع، وهذا من عبر التاريخ والجغرافيا أن سورية ستبقى سورية، وأن لبنان هو لبنان، ويوشع لن يمشي على جماجمنا..
أقلام الثبات الأربعاء 07 تشرين الأول , 2020