شباب لبنانيون، لم يجدوا فرصة في وطنهم، لإبراز وإظهار قدراتهم وإمكانياتهم ونبوغهم، فتوزعوا في دنيا الله الواسعة، لينهلوا العلم أو ليفجروا ما يختزنون من طاقات علمية وإبداعية، حتى أن البعض من هؤلاء الشباب لفتوا إدارات جامعاتهم في تفوقهم الدراسي والإبداعي، كحال طالبة الطب اللبنانية في روسيا غيد التالا، (كريمة زميلتنا سمر المقهور) التي اختارتها جامعتها، لتكريمها بسبب تفوقها الدراسي اللافت.
غيد تكرر حكايات كثير من الشباب اللبناني في العالم، وحتى لا نعود إلى أزمنة وأجيال مختلفة قدمت خدمات علمية أسهمت في إنارة البشرية، كحال حسن كامل الصباح، ورمال رمال، ومايكل دبغي والكثير الكثير غيرهم.. وبالمناسبة لا ننسى ذاك المشروع الصاروخي الذي عرفه لبنان بين 1961 و1966 وغاب عن ذاكرة اللبنانيين، حين قاد استاذ الرياضيات د.مانوك مانوكيان في جامعة هايكازيان مع مجموعة من طلابه في إطار تجارب علمية فضائية تصميم وإطلاق صواريخ، حيث كانوا يمزجون الوقود الصلب للصواريخ التي يصنعونها من الأنابيب المعدنية في السوق، لأن الدول الكبرى رفضت تزويد لبنان بوقود الصواريخ.
كانت أول تجربة إطلاق ناجحة لصاروخ “أرز” الذي وصل مداه كيلو متر واحد، وبعدها كانت ولادة “النادي اللبناني الدولي للصواريخ”.
وتطورت صناعة الصواريخ اللبنانية من “أرز-1” إلى “أرز-8” وكانت دائماً تزداد ضخامة ودقة إلى أن بلغ مداها أكثر من 600كلم.
“المغامرة اللبنانية” شابها عام 1966، خطأ حين إطلاق “أرز-4″، وكان مؤلفاً من ثلاث طبقات، فارتفع 200كلم قبل أن يقع في البحر قبالة جزيرة قبرص، فاحتجت بريطانيا التي لها قواعد عسكرية في الجزيرة ورفعت شكوى على لبنان إلى مجلس الامن.
هذا المشروع أثار مخاوف الكيان الصهيوني، لأن لبنان كان سباقاً في صناعة الصواريخ التي كانت تزداد ضخامة ودقة ومدى.. ونتيجة للضغوط السياسية الخارجية، انتهى الحلم الصاروخي اللبناني عام 1967، وبات د.مانوكيان من أبرز الأكاديميين في ولاية فلوريدا الأميركية.
وابداعات الشباب اللبناني في دنيا الله الواسعة طالت نواحي طبية وعلمية مختلفة، منها على سبيل المثال لا الحصر، الانجاز الطبي النوعي للبروفيسور محمد بيضون في مستشفى “مايو كلينك” الشهير في “مينيسوتا” الاميركية، حيث ظل لفترة طويلة محل إضاءة الإعلام الاميركي، جراء إنجازه الطبي غير المسبوق في العالم، وذلك حين جعل مريضاً مصاباً بالشلل شبه الكلي يمشي مجدداً على قدميه بعد سنتين من تعرضه لحادث مأساوي أثناء ممارسته رياضة ركوب الأمواج ليجد نفسه في اليوم التالي ممدداً على فراش المستشفى بلا أدنى حس في أطرافه نتيجة إصابته في النخاع الشوكي ودون أدنى أمل في الشفاء.
الرجل المصاب يدعى كريس بار، كان مهدداً بالبقاء على حاله، مشلولاً من عنقه إلى آخر أطرافه، حتى أصيب باليأس وتمنى الموت وطلب إلى زوجته أخذ إذن المستشفى لإنهاء حياته (pull the plug). إلا أن الزوجة أقنعت زوجها بعدم الاستسلام وطلبت منه أن يمنحها مزيدًا من الوقت.
وذات يوم تلقى الزوجان اتصالاً هاتفياً من الدكتوراللبناني محمد بيضون، الجراح والباحث في النخاع الشوكي، الذي كان يقود تجربة مبتكرة في “مايو كلينيك” في مينيسوتا وكان يبحث عن مرضى مستعدين للخضوع لتجربة مبتكرة كان يقودها في تلك الأثناء، وكانت تجربته تقوم على أخذ خلايا جذعية من دهن المصاب لتُتم معالجتها ثم إعادة زرعها في نخاعه الشوكي لتجديده وإصلاح الضرر. وهي تجربة لم يجر مثيل لها في السابق، وكان “كريس” أول مصاب سيخضع لها، وبعد فترة زمنية قصيرة إثر خضوعه للعلاج، شهدت حالة كريس تقدماً سريعاً فبدأ يشعر بساقيه ثم أصبح بإمكانه ربط شريط حذائه ومن ثم تمكن من المشي مجدداً.
وفي حضور الشباب اللبناني في العالم وفي بلاد الاغتراب. وفي أوطانهم التي هاجروا اليها وانخرطوا في مجتمعاتها وقدموا لها كفاءتهم عربون شكر على احتضانهم حيث فشل وطنهم الأم. يبرز الشاب الكسندرو حازم قانصوه ابن مدينة الشمس بعلبك، الذي ولد من أب لبناني ذهب طالبا الى رومانيا ومن أم رومانية.فقد عين قانصوه محافظاً للعاصمة الرومانية بوخارست، بعد رحلة من الجهد والتعب والتدرج في مناصب إدارية رفيعة.
قانصوه المتخصص في مجال الاقتصاد السياحي، شغل منصب مستشار لدى البرلمان الروماني في العام 2007 ثم محققا في بلدية بوخارست في العام 2008.وفي العام 2013 عمل كمستشار لدى وزارة الاتصالات قبل ان ينتقل في العام 2016 كمستشار لبلدية بوخارست.. وفي العام 2020 عين مديرا عاما لشركة النقل العام في بوخارست. انها ثمرة علاقة تاريخية لعائلة عصامية لبنانية مع الدولة الرومانية. والد المحافظ قانصوه، المهندس حازم قانصوه ( ابن شقيق النائب اللبناني السابق عاصم قانصوه) ووالدته الرومانية الطبيبة كارمن قانصوه.درس الاقتصاد وعيّن محافظا نتيجة لكفاءته ونجاحاته في الكثير من الميادين انها قصة نجاح لبناني آخر تكتب في بلاد الاغتراب، على أمل أن تكون الكفاءات هي سبيل من يتقدمون للمراكز الرئيسية في بلادنا.
وفي العام 2014 اثبت الطفل اللبناني محمد نزيه المير، من مدينة طرابلس وكان عمره عشر سنوات أنه العبقري الأول عالمياً إثر مشاركته في المسابقة العالمية للحساب الذهني التي جرت في ألمانيا بمشاركة 55 متنافساً من 40 دولة، وأكد الطفل المير انئذ أن الحصول على المركز الأول في الذكاء ليس حكراً على أطفال الدول المتقدمة، بفوزه بفارق كبير جداً عن أقرب منافسيه.
كثيرة وعديدة أسماء شباب وشابات لبنانيون، لم يجدوا الفرصة في وطنهم، فكان أن شعوا علماً وإبداعاً في رياح الأرض الأربعة، فكيف سيكون الحال مع شبابنا في ظل نهج الليبرالية المتوحشة التي تدمر من ضمن ما دمرت التعليم الرسمي، فالغت دور المعلمين، وتراجعت المدرسة الرسمية التي تعاني الكثير، وها هي تستهدف الجامعة اللبنانية بشتى الأساليب.
أحمد زين الدين
الثبات,أقلام الثبات , الثلاثاء 01 شباط , 2022