ليس دفاعاً عن قرداحي.. إنما كشف للغطرسة السعودية -1/2 – الراصد العربي

ليس دفاعاً عن قرداحي.. إنما كشف للغطرسة السعودية -1/2

كيف تريدون منا أن نأمن لحكام السعودية، بينما مؤسس المملكة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، لم يكن “ينام الليل من الخوف” كما يقول: “وإني لا أأتمن أحداً على ملكي، حتى أخي أو ولدي”، مضيفاً: “وإني احتفظ بمفاتيح مستودعات السلاح والمدافع والعتاد بجيبي، ولا أسلمها لأحد إلا عند الحاجة” (انظر مذكرات فوزي القاوقجي ص120).

وعدم ثقة عبد العزيز بأولاده تتجلى في أول قمة عربية عقدت في العام 1946 في انشاص في مصر، إذ أنه أثناء توقيع الملوك والرؤساء العرب السبعة وهم: الملك فاروق، الرئيس شكري القوتلي، الرئيس بشاره الخوري، الملك الأردني عبدالله الأول، العراق تمثل بالأمير عبد الإله بن علي الوصي على العرش، اليمن تمثلت بولي العهد سيف الإسلام نجل الإمام يحيى حميد الدين، وولي العهد السعودي، سعود (الملك لاحقاً)، فيقول الرئيس اللبناني الأول في زمن الاستقلال بشارة الخوري: “وأخيراً وصلت الوثيقة ودعيت للتوقيع عليها من قبل زملائي بسبب ترتيب حروف الهجاء، فامتنعت وقدمت القلم إلى الملك فاروق، فأصر، فامتنعت تكراراً، ووقع الملك عن مصر وعن المملكة السعودية، وكان الملك فاروق الوكيل الرسمي عن الملك عبد العزيز، لأن الأمير سعوداً كان مشتركاً كمستمع. (الرئيس بشارة الخوري، حقائق لبنانية، جزء2، ص246).

إذا كان “الملك المؤسس” لا يأمن لأولاده، فكيف تريدون منا أن نأمن لأحفاده، وخصوصاً إذا كانوا بعقلية محمد بن سلمان، الذي لا يقيم وزناً، إلا لترامب والسيدة إيفانكا وبلاك ووتر وهلم جرا.

وحتى لا يبقى السعوديون يربحوننا الجميل، بثروات البعض القليل من اللبنانيين، فإننا نشير إلى أفضال لبنانيين الكبيرة على المملكة، فالرئيس أحمد الداعوق الذي عاد في أوائل القرن الماضي من باريس حاملاً شهادتي هندسة هيدروليك، وحقوق، استدعي إلى السعودية ليبحث لهم عن المياه، هو من بشرهم بالثروة النفطية حينما أعلمهم بعد تنقيبه الطويل بأنهم يملكون النفط.

إذاً، تعود جذور العلاقة السعودية مع لبنان إلى عهد عبد العزيز فكان من أول من التقاهم من اللبنانيين هو أمين الريحاني الذي أرخ للملك والمملكة.

ففي عام 1922 سافر أمين الريحاني الذي عاش في نيويورك إلى جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، فالتقى بحكامها وتعرف عليهم، وكان المسافر الوحيد في ذلك الوقت أوروبياً أو عربياً، والذي غطى المنطقة وحصل على معلومات وروايات مباشرة ذات قيمة عالية عن هؤلاء الحكام، وطور صداقة مع الملك عبد العزيز آل سعود، وبين عامي 1924 و1932 كتب ونشر ستة كتب بالعربية والإنكليزية تتعلق برحلاته إلى الجزيرة العربية التي أسهمت في تعريف العالم على السعودية وملكها.

كذلك، فإن علاقة وثيقة كانت للحاج حسين العويني مع السعودية وعلاقة العويني بعبد العزيز تعود إلى عام 1925، كما كتب عنها أمين الريحاني، حيث نجح العويني في وساطات معينة بين القبائل وعبد العزيز.

أما المجاهد فوزي القاوقجي ابن مدينة طرابلس فهو مكث في السعودية أربع سنوات (1928-1932) صرفها في تدريب الجيش السعودي الذي كان يجري تشكيلة آنذاك، وفي سنة 1932 وصل إلى العراق بناء على طلب الفريق طه الهاشمي، وعُين مدرساً في الكلية الحربية في بغداد.

وأثناء وجود القاوقجي في السعودية هاله الدور الذي كان يلعبه البريطاني عبد الله فيليبي في المملكة. ولكنه استطاع، بمساعدة الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك فيما بعد)، إقناع الملك عبد العزيز بن سعود بتكوين جيش نظامي مدرب. وحاول تنظيم بعض الأمور ولكن العراقيل الكثيرة التي وضعت في طريقه والدسائس التي تعرض لها أجبرته على الاستقالة. ويعد وساطة عين مستشاراً للأمير فيصل (الملك لاحقاً).

وبرأي الملك عبد العزيز، فإن “الأنكليز أهل كتاب” ويقول: “والله لو تقع الحرب في هذه الجزيرة بين العرب والإنكليز، فإني أقف في صف الإنكليز، وليغضب من يغضب من العرب وليرضى من يرضى منهم” (مذكرات فوزي القاوقجي ص 123).

وكان عبد العزيز “في بادئ الأمر لا يهتم بشأن الجرائد، ولا بسلاح دعايتها، وكان يعتقد أنه باستطاعته الاستغناء عن العرب كافة، ولكن العرب لا يستطيعون الاستغناء عنه فهم مجبرون على التمسك به ومجاراته لافتقارهم لمعونته بينما هو في غنى عن معونتهم، التي لا يحسب لها حساباً، ولا يقيم لها وزناً، طالما هو حاصل على صداقة بريطانيا، ومودتها، وأما منشأ هذا الغرور فكان مما تنشره الجرائد من الفصول الطوال عنه، وبما تعلق عليه الأمة العربية من آمال لانقاذها من الاستعباد والاستعمار، وكان كل من يخرج من رجالات العرب من الحجاز يعطون الاحاديث للصحف، ويبالغون جداً في تعظيم أعماله، ولم يلمحوا ولو لمرة واحدة عن اعمال انتقدوها فيه، مما جعله يعتقد بنفسه ما تقوله الصحف عنه، والرجالات، فهذا ما حمل إليه الغرور، وجعله يستصغر شأن العرب، ورجالاتهم الخارجين عن حدود سلطانه”.

ويقول القاوقجي: “كان نبيه بك العظمة جاء الحجاز، كما أن الأمير شكيب أرسلان غادرها، وكانت أحواله الدولية تسير من سيء إلى أسوأ، وتمشي إلى الانحطاط بسرعة، وكان للضائقة المالية العالمية أثرها القوى على الحجاز، الذي يستورد كل حاجياته من الخارج، وليس فيه ما يصدره للخارج، واحتياجات الدولة والبلاد تدفع أثمانها من موارد الحج، وقد أخذ يتناقص هذا المورد ويتضاءل لدرجة أنه لم يتجاوز في عام 1931 المائتي ألف دينار، وهو مبلغ لا يكفي لسد حاجيات العائلة المالكة وحدها، وتناقصت عطاءات الملك للقبائل والرؤساء، مع تناقص الواردات، وكانت هذه العطاءات مصدراً لمعيشة البعض، وضماناً لاستكانة الآخرين، وأخذت القبائل تطالب بمخصصاتها بإلحاح، واتخذت الأخرى مواقف اثارت الريبة والمخاوف في نفس الملك، وراجت فكرة تأسيس جيش نظامي تحت هذه العوامل والظروف، وذلك ليكون الجيش سبباً في إعالة كثيرين من النجديين، وقوة احتياطية تطمئن مخاوف الملك من مواقف القبائل العربية، فتقرر أن يعهد إلى نبيه بك العظمة تأليف هذا الجيش، وأن أكون معاوناً له، فأخذنا نضع منهاجا مفصلا، وأردفناه بتقرير شامل فقدمناه لنائب الملك الأمير فيصل وطلبنا أن نقوم بجولة تفتيشية لفحص ما هو موجود في المستودعات من الأسلحة والعتاد والتجهيزات، فوافق النائب على هذه الفكرة، بدأنا أولاً من مكة، وكانت هذه المستودعات تحت سلطة وزير المالية عبدالله بن سليمان الحمدان مباشرة، وكان مستحيلاً معرفة ما يحويه هذا المستودع مما يهمنا، ففيه كل شيء، وضائع فيه كل شيء، ولا يدري أحد عما فيه من محتويات.

وذهبنا إلى جدة فكان الصدأ والعفونة حرس هذه المستودعات، وذهبنا إلى بقية المراكز إلى أن وصلنا المدينة، وهناك خظر أمير المدينة علينا رؤية المستودعات لأنها سر من أسرار الدولة، منعنا من الدوام على التفتيش، وطلب منا العودة حيث قدمنا تقريراً إلى نائب الملك مفصلا، فقبله بارتياح، ولكن الموافقة الوجاهية لا تعني الموافقة على التنفيذ، وأخذت المماطلة تسود الموقف”.

“وحينما ذهابنا إلى مكة لاستلام أمور الجيش، فوصلناها بصحبة نبيه بك، وكانت كل أعمالنا لا تتجاوز القرطاس، وفي كل مطلب من مطاليبنا، كبيراً أو صغيراً نجد أنفسنا في تحقيق أمام عبدالله بن سليمان الحمدان، وزير المالية وغير مرتبطين بنائب الملك، فلم نتقدم خطوة واحدة في أعمالنا خلال الأشهر الأولى من وجودنا في الحجاز، وأيقنا أخيراً أنه لا فائدة ولا إمكان للعمل، فلم يسع نبيه بك إلا أن قدم استقالته، وبحكم هذه الاستقالة أكون كذلك مستقيلاً، غادر نبيه بك البلاد وراجت الشائعات كالعادة عندما يغادرها أي شخص ما، فلم يأت شخص من الخارج من رجالات العرب المعروفين إلا وخرج غير راض، وآسف، كما كان الرجال المسؤولون غير راضين وغير آسفين على مغادرته البلاد”.

يتابع: “كلفت باستلام الجيش، ولكني أعلمتهم أنه لا فائدة من استلامي أنا أو أي شخص آخر على الطريقة السالفة الذكر، ولما ألحوا عليَّ أعلمتهم بما ارتأيته لإنهاض الجيش وإصلاحه، فقبلوا، واستلمت الجيش وكان من مقترحاتي أن يجتمع الجيش كله في جدة، ما عدا مفارز صغيرة تترك في المراكز اللازمة، ثم تجمع الجيش وأخذ بتوحيد أسلحته، وبدأت بتنفيذ برنامج لتدريبه، وأخذت حالته تتحسن تدريجياً، وقد أبدى الجندي النجدي استعداداً عظيماً في تلقي العلوم العسكرية والتدريب المنظم، فلم تمض بضعة أشهر حتى كان الجيش بجميع أسلحته في مستوى يعادل مستوى الجيوش النظامية في الشرق”.

بشكل عام، لقد كان للحاشية حول الملك عبد العزيز تأثير عليه، وخصوصاً وزير المالية ابن سليمان، فأيقن القاوقجي أنه يستحيل عليه أي عمل مفيد، ووضعت هذه الحاشية القاوقجي في موقع اتهام كادت أن تقتله، لولا صداقته وعلاقته مع الأمير فيصل (الملك لاحقاً)، الذي ساعد في سفره وخروجه إلى مصر، (راجع مذكرات القاوقجي ص 119-143).

إلى ذلك، فإن عدداً من الأطباء اللبنانيين قدموا على مر تاريخ المملكة خدمات طبية هامة في السعودية وعالجوا ملوكاً وأمراء، كحال الدكتور منير شماعة على سبيل المثال لا الحصر، الذي كان طبيباً للملكين سعود وفيصل والعديد من الأمراء، كحال الأمير عبد الله (الملك لاحقاً) والأمراء سلطان وبدر ومشعل وغيرهم… (انظر: منير شماعة، إقلاع وهبوط – سيرة طبيب من رأس بيروت، ص72 – 76).

يتبع…

أحمد زين الدين

الثبات,أقلام الثبات , السبت 13 تشرين الثاني , 2021