ليس دفاعاً عن قرداحي.. السعودية تغرق في مآزقها – الراصد العربي

ليس دفاعاً عن قرداحي.. السعودية تغرق في مآزقها

البخاري لم يتسنَّ له نصب مضاربه على نحو ما فعل مع الوزير وهبه

“إن المملكة العربية السعودية تعيش منذ فترة ليست ببعيدة عصراً جديداً، زمناً جديداً، زمناً مشرقاً واعداً، تضج في حناياه عزيمة القرار، وروح الشباب والحداثة والإصلاح والمسؤولية الوطنية، صدقوني انه مسار يدعو حقيقة إلى الإعجاب وإلى الفخر والتفاؤل بالمستقبل، لذلك أحيي العقل والقلب والرؤية، والشجاعة التي تقود مسار التغيير هذا، سائلاً المولى عز وجل أن يحقق للشعب السعودي الكريم جميع أمانيه وطموحاته”.

هذا الكلام للوزير جورج قرداحي قبل سنتين من كلامه عن “الحرب العبثية” في اليمن، التي قتل فيها التحالف السعودي عشرات آلاف الأطفال والشيوخ والنساء اليمنيين، ودمر فيها القرى والبلدات والمدن اليمنية، وسحق خلالها المآتم وحفلات الزفاف، ودمر المستشفيات والمدارس على من فيها من مرضى وتلامذة.

وبعد أكثر من سبع سنوات على حرب السعودية وحلفائها في اليمن، يبدو واضحاً الهزيمة السعودية التي تدفعها لاتخاذ المزيد من الخطوات العدوانية تجاه كل من يعارض هذه الحرب المجنونة، التي أخذت ترغم الرياض على طلب المساعدة من حلفاء صنعاء، في وقت يبدو فيه حلفاء السعودية الذين يشاركون في جريمة اليمن، مربكون وخائفون ومحتارون، وليس لديهم الجرأة للانسحاب من هذه الحرب العبثية، كحال السودان الذي تفيد المعلومات عن خسائره الفادحة في تلك الحرب، حيث سارع الحمدوك إلى الانقلاب على حلفائه ما بعد البشير، لأنه لا يستطيع أن يكشف عن الضحايا السودانيين، الذين لم يعلم الكثير من أهاليهم وذويهم شيئاً عن مصيرهم، ناهيك عن التطورات في الحديدة وفي الجنوب اليمني.

وبشكل عام تتعرض قوات التحالف العربي بقيادة السعودية منذ تدخلها في اليمن إلى مزيد من الانتقادات من جهات سياسية وحقوقية دولية، على خلفية استهداف غاراتها للمدنيين في صراعها مع اليمن. بالإضافة إلى دور التحالف في مفاقمة الوضع الإنساني نتيجة الحصار والإغلاق الذي يفرضه على هذا البلد.

وفي ظل تزايد عدد القتلى في صفوف المدنيين جراء الغارات التي لم تستثن الأسواق وحفلات الزفاف، صدرت مواقف دولية عديدة وتقارير أممية تطالب بوقف الانتهاكات في اليمن، وأدرج التحالف في القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال، كما صفت الأمم المتحدة إغلاق منافذ اليمن بأنه “حصار”. 

ففي 27 يوليو/تموز 2017: يخلص تقرير فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الخاصة باليمن والمشكلة من مجلس الأمن الدولي، إلى أن كل أطراف الحرب -وبينها التحالف العربي- مدانة لارتكابها أو تورطها على نحو مباشر أو غير مباشر بانتهاكات لحقوق الإنسان قد يرقى بعضها إلى جرائم حرب.

ويتهم معدو التقرير الدول الأعضاء في التحالف العربي بأنها تختبئ وراء يافطة التحالف كي تتهرب من المسؤولية عن الغارات الجوية والهجمات التي توقع ضحايا في صفوف المدنيين.

وفي 22 سبتمبر/أيلول 2017: أمنستي تؤكد بتقرير جديد أن التحالف السعودي ارتكب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي باليمن، بينها جرائم حرب، وأن دولا -من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا– تواصل إمداده بالأسلحة. ودعت المنظمة إلى التطبيق الفوري لحظر شامل لأي أسلحة يمكن أن تستخدم في النزاع باليمن، وطالبت بإجراء تحقيق محايد على وجه السرعة، وتقديم المسؤولين عن الجرائم لمحاكمات عادلة. ومنظمة هيومن رايتس ووتش اتهمت “التحالف العربي بمفاقمة الوضع الإنساني في اليمن من خلال القيود التي يفرضها على دخول السلع الأساسية”، وقالت المنظمة في بيان: “إنّ قيود التحالف زادت الأوضاع المتردية لليمنيين، وانتهكت القانون الدولي الإنساني”.

وفي 5 تشرين الأول 2017: الأمم المتحدة تدرج التحالف العربي بالقائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال. واتهم التقرير السنوي لعام 2016 – الخاص بالدول والكيانات التي تمارس انتهاكات ضد الأطفال بمناطق النزاع- “قوات التحالف” الذي تقوده السعودية بقتل وتشويه الأطفال واستهداف وهدم مدارس اليمن ومستشفياته. كما وجّه التهمة ذاتها للقوات الحكومية التابعة لعبد ربه منصور هادي وتنظيم القاعدة.

لعل أبرز عقدة ابتليت بها السعودية أنها في سياستها الخارجية ما زالت تعيش أجواء ومخاوف حقبة خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ويتمثل ذلك في تقديم “المؤامرات” لتفكيك وإضعاف دول المنطقة على “المصالح العليا” للمملكة، وبالتالي فهي غير جادة في انهاء الحرب في اليمن، كون استمرار الحرب يضعف الدولة اليمنية، ويباعد بينها وبين التنمية والاستقرار، وهو ما تريده السعودية لليمنيين.
 
أما سياسة “المؤامرات” على دول المنطقة، كسلوك سعودي غير منضبط وغير أخلاقي ولا يراعي متطلبات الجوار والمصالح المشتركة، فمنشأه أن الدول الغربية الكبرى جعلت من السعودية مجرد وكيل إقليمي لتفكيك مراكز النفوذ العربية، باعتبارها تهدد أمن واستقرار المملكة، فتآمرت السعودية على الوحدة المصرية-السورية، وحاربت ثورات التحرر العربية، وساهمت في إضعاف مصر (عبد الناصر) والعراق، ووردت إلى سورية آلاف الإرهابيين لقتال الدولة الوطنية السورية وتفكيكها وظلت تعمل على عرقلة مساعي تحقيق الوحدة اليمنية، وبعد تحقيقها عام 1990 ظلت تعمل على دعم مطالب الانفصال، وبذلك فهي تدعم لتمزيق اليمن.

ثمة هلع في البلدان العربية وخصوصاً السعودية الحليفة للولايات المتحدة بعد الخروج المذل للإميركي من أفغانستان، الذي يرى فيه الخبراء الاستراتيجيون الدوليون مقدمة للخروج من الشرق الأوسط، وبهذا يصرخ التابعون في البلدان العربية لمن يتركنا الجنرال كينيث ماكنزي؟

هل يتركنا للإيرانيين والاتراك؟

أم يتركنا للصيني والروسي؟

عندنا في لبنان، لا ترى السعودية إلّا من يبخّر لها ويسبح بحمدها، وربما لا تكون هناك غصة لدى السفير البخاري الذي استدعته وزارته للعودة إلى بلاده، قبل أن ينصب مضاربه في موقف سيارات مقر إقامته في لبنان ليستقبل الطبالين والمزمرين لكرمه وكرم أسياده، استنكاراً لوصف الوزير قرداحي الحرب على اليمن بـ”العبثية” على نحو ما جرى مع وزير الخارجية اللبناني الأسبق شربل وهبة.

أكثر من 600 مليار دولار أنفقتها السعودية في حربها على اليمن، ما هي نتيجتها؟

الأميركيون، الأوربيون، المنظمات الإنسانية الدولية، رأي عام دولي واسع ينتقدها ويصف جرائمها بجرائم حرب كبرى.. 

ربما هنا يصدق قول الكاتب العربي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل قبيل وفاته، بتأكيده أن السعودية “غرقت بالمستنقع اليمني” ويقول هيكل: “إن السعودية ستحارب اليمن، وستغرق السعودية في اليمن وينتصر اليمن، وإن لم يحصل هذا، أخرجوا جثتي من القبر وأحرقوها، وأحرقوا مؤلفاتي”.

أحمد زين الدين

الثبات,أقلام الثبات ,  الخميس 25 تشرين الثاني , 2021