في موقف لـ”سيادي (لبناني) جداً جداً”، قال بـ”ثقة” الجنرال مونتغمري، “مثلما هزمنا ياسر عرفات، سنهزم حسن نصرالله”.
يا رجل، كن صادقاً، واخشى الله، فـ”شهادة الزور من أكبر الكبائر”.. في شرع كل الديانات السماوية والأرضية والعقائد، وكل قوانين الدنيا، فلماذا لم يقل هذا الرجل: مثلما هزمنا عرفات بدبابات أريئل شارون، نهزم نصرالله بدبابات بني غانتس” وكأنه لم يعلم ولا يدري ولا يعرف -وهو حقاً كذلك- بعويل دبابات الميركافا في وادي الحجير وسهل الخيام عام 2006، وهو طبعاً لم يرَ دموع أحبابه وصراخهم أمام بأس المقاومين الذين على حد ما قال فيهم الكاتب اليساري الفرنسي لويس اراغون، حين امتشق المقاومون سلاحهم وإرادتهم في وجه الدبابات الهتلرية: “هو ذا اليوم الذي أضأنا فيه القمر”.
طبعاً.. أيها الرجل لا تعلم معنى الكرامة الوطنية، لأن كل من هو من طينتك لا يسمع إلا ما يقوله البلاط وولي النعمة، وما يقوله الهيكل الذي تأخذون معموديتكم منه.
يبدو أنه لابد من إنعاش الذاكرة المهزومة دائماً، لعلهم يشعرون بلحظة ما، بوخزة ضمير وطنية، ويفقهون تماماً فاتحة الصلاة المسيحية التي تعلمتها منذ طفولتي، “أبانا الذي في السموات” والتي فيها: “ولا تدخلنا في التجربة، ولكن نجنا من الشرير”.
وبهذا ألم تستفد كل هذه الطبقة السياسية من كل التجارب، وحتى لا نذهب بعيداً نعود إلى بداية الألفية الثالثة، حيث تتطابق المراهنات
والحسابات.
مع نهاية العام 2000 وبداية العام 2001، انطلقت حملة سياسية واسعة من اتجاهات مختلفة، وبعناوين مختلفة مستهدفة المقاومة ملخصها على النحو الآتي:
” أولاً: إدانة تدخل “حزب الله” في الشؤون الداخلية، وتحديداً المطلبية منها.
ثانياً: التشكيك في مدى جدوى استمرار المقاومة في المرحلة الحالية والمقبلة. وهذه الدعوى سوغت نفسها بجملة مبررات أبرزها التالي:
أ- أن المقاومة لم تعد تحظى بالاجماعين: الدولي – والداخلي معاً، مما يفقدها أهم مسوغات شرعيتها الدولية والوطنية معاً.
ب- أن الوضع الرخو الاقتصادي والمالي اللبناني لا يستطيع أن يتحمل نوافذ أمنية أقليمية مفتوحة ومن الجهة الجنوبية تحديداً، كما أن التقدم على طريق المعالجات الاقتصادية يفترض استقراراً أمنياً يشجع على وفود الاستثمارات وحركة الرساميل… إلخ.
ثالثاً: وهذا أمر جديد بالحقيقة وهو محاولة النيل من مصداقية وصدقية المقاومة، وذلك وفق الآتي:
أ- زج اسم الحزب في لائحة المتورطين في عملية النهب العام لأموال الدولة من خلال اتهامه بأن لديه مركزاً غير شرعي للاتصالات الدولية في (الضاحية الجنوبية).
ب- العودة إلى العزف على وتر اتهامات بائدة، تتمثل بالتشكيك بوطنية الحزب من خلال اتهامه بأنه ينفذ سياسة إيرانية تارة، وسورية طوراً.
ت- اتهام الحزب بأنه بات يوظف عمليات المقاومة في اللعبة الداخلية وذلك بالاستناد إلى الفاصل الزمني الكبير نسبياً بين العملية والأخرى، وتوافقها مع بعض التحركات والمواقف.
مجمل هذه الأمور، أشارت إلى أن هناك حملة منظمة إعلامياً وسياسياً تريد رأس “حزب الله”، بما هو حزب المقاومة تحديداً.
وهذه الحملة تختار لنفسها عناوين لها صداها، أي لها قابلية الاستماع من قبل بعض الرأي العام اللبناني كونها تعزف على أكثر الأوتار حساسية لديه” (السفير 5 تموز 2001، العدد 8942).
هذه الحملة على المقاومة التي صدرت عن مواقف متباينة سياسياً وطائفياً، التقت في أهدافها مع تطلعات دولية، من الولايات المتحدة التي تصاعدت عدوانيتها على العالم، وتحديداً على منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث 11 أيلول 2001.
من فرنسا التي حاولت أن تستغل قرب انعقاد القمة الفرنكفونية في بيروت، من أجل الحديث عن ضرورة النهوض والانفتاح على العالم، وجلب الاستثمارات، ومن بعض العرب الذين ما استطاعوا أن يتحملوا الانتصار اللبناني في تحرير الجنوب من دون قيد أو شرط.
وبشكل عام، فقد التقت الحملة الداخلية على المقاومة في أهدافها مع التطلعات الدولية (أميركا، فرنسا، الأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام كوفي أنان، البنك الدولي، والكيان الصهيوني)، ناهيك عن القلق الرسمي العربي من نجاحات المقاومة، وإمكانية تأثيرها على البلدان العربية أنظمة وسياسة وتطوراً.
ان أصواتاً كثيرة ارتفعت بعد التحرير تدعو “حزب الله”، أو تغريه على الأقل، للإنغماس في اللعبة الداخلية اللبنانية، تحت عنوان التحول إلى حزب سياسي محلي بكل ما في الكلمة من معنى.
والترجمة العملية المقابلة لهذا الكلام هي الدعوة إلى حل المقاومة والتخلي عن الدور الجهادي، والحقيقة أن هذه الطلب غالباً ما أرفق بإغراءات عربية دولية سياسية ومالية، أي أن الكثير من الدول وفي طليعتها الولايات المتحدة، وعبر وسائط دولية متنوعة، سعت إلى إغواء الحزب بأن يبيع سلاح المقاومة بأثمان سياسية ومالية على الصعيد الداخلي، إلا أن موقف الحزب كان دائماً الرفض التام” (السفير 5 تموز 2001).
في ربيع العام 2002، عقدت القمة العربية في بيروت، وفضح خلالها وإن بصورة غير واضحة جزء من أسباب استهداف سلاح المقاومة، وذلك حينما أصر رئيس الجمهورية العماد إميل لحود أن تتضمن مبادرة ولي العهد السعودي الامير عبدالله أي ما أطلق عليه “مبادرة السلام العربية”، حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وكاد هذا الإصرار أن يطيح بالقمة لولا الاتفاق على حل وسط بتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة وخصوصاً القرار 194.
وبالطبع لم يتحقق شيء من مقررات هذه القمة، وكانت كقمة فاس في تشرين الثاني 1981، حينما فشلت في إقرار مشروع ولي العهد السعودي الأمير فهد، التي طرحت مشروعاً للسلام تحت عنوان التسوية في الشرق الأوسط، أساسه الاعتراف بإسرائيل، وفي السنة الثانية بدأت في حزيران 1982، عملية اجتياح لبنان، وفي نفس ذاك العام وتحديداً في 8 أيلول أقرت القمة العربية الثانية عشرة في فاس خطة عربية للتسوية في الشرق الأوسط أطلق عليها اسم “ميثاق فاس” وترتكز إلى مشروع الملك فهد بن عبد العزيز، (وكان ذلك طبعاً بعد اجتياح لبنان).
في هذه المرة أيضاً كانت القمة العربية، ومشروعها للتسوية في بيروت، ليعقبها بعد عام الاجتياح الأميركي للعراق في نيسان 2003.
خلال 2002 و2003 و2004 لم تتوقف الحملة لاستهداف المقاومة وسلاحها تحت نفس العناوين، ولأسباب محلية وإقليمية ودولية “فمحلياً، لا يستطيع أحد إنكار أن الوضع الاقتصادي – المالي والمعيشي في لبنان بلغ الخطوط الحمراء التي باتت تضعه على مفترق طرق مصيري، وبالتالي بات يحتاج إلى معالجات حاسمة وشاملة على أكثر من صعيد.
والجميع أدرك ويدرك أيضاً، أن دفع الوضع الاقتصادي إلى حافة الانهيار مرده الرئيسي إلى السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة منذ اتفاق الطائف التي نهضت على رهانات سياسية خاطئة، هذه الرهانات التي حولت هذه السياسة إلى نهج مقامر ومغامر معاً أكثر مما هو نهج سياسي – اقتصادي حقيقي ينهض على رؤية استراتيجية شاملة للواقع الاقتصادي – المالي في لبنان ومرتكزاته الاجتماعية – الانمائية والسياسية معاً.
ومحاولة اقحام المقاومة كطرف مسؤول عن تدهور الأوضاع الاقتصادية ليست أكثر من اقحام تعسفي غير موضوعي يراد منه الإساءة للمقاومة، ذلك أن المقاومة في مجمل تاريخها، وتحديداً، مع دخول لبنان عتبة السلم الأهلي، لم تترك آثاراً سلبية على الوضع الاقتصادي بالمعنى الذي يتم تصويره، حتى في اللحظات التي كان العدو الإسرائيلي يشن حروب تدمير وتهديد في لبنان، وبشهادة أهل الحكم أنفسهم، ويكفي هنا العودة إلى شهادة الرئيس سليم الحص في هذا السياق وهو الخبير الاقتصادي المعروف.
وبالطبع، لا يخفى أن محاولات جرت لتحميل المقاومة تبعية تدهور الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد والتي يمكن إيجازها بالعناوين الآتية:
– سياسة الحكومات المتعاقبة التي قامت على مبدأ الاستدانة الشامل والكبير، من دون الالتفات إلى حسابات كلفة الدين، وإلى ضرورة تفعيل القطاعات الانتاجية والوطنية من صناعة وزراعة إلخ… ومن نافل القول، إن ما يتهدد الاقتصاد اللبناني هو وقع المديونية أكثر من أي شيء آخر.
– عدم القيام بعمليات إصلاح حقيقية في المجالات القانونية والتشريعية والإدارية والسياسية، والقضائية وإبقاء الأوضاع الداخلية عرضة للإنقسامات بين أهل السلطة أنفسهم وبين السلطة والناس، وحتى في ما بين الناس أنفسهم. وكلنا يعلم إلى أين أفضت سياسة المحاصصة والترويكا بمدخرات البلد. ويكفي العودة هنا إلى تقرير الأمم المتحدة المشهور حول الفساد المالي والإداري في لبنان.
أما إقليمياً، فإن المنطقة منذ وصول شارون إلى السلطة في الكيان الصهيوني عام 2001 تمر في مرحلة دقيقة وخطيرة، وذلك أن وصول شارون إلى رئاسة الحكومة وتفجر الانتفاضة في وجه الاحتلال وانهيار ما سمي بعملية السلام، ومن قبلها نجاح المقاومة في دحر الاحتلال، وتحول هذا النجاح إلى ملهم للانتفاضة ومخيف لشارون.
ومجمل هذه الأمور جعلت الأمور في المنطقة في غاية الدقة والخطورة. فشارون كان يريد إنجاز مشروع أمني إسرائيلي مضاد لما يسمى “السلام الشامل” وعلى حساب العرب جميعاً. وليس كابوس شارون رؤية جيشه يدحر تحت ضربات المقاومة فحسب، بل صمود لبنان وسورية ووقوفهما وراء المقاومة، ودعمهما للانتفاضة أيضاً، وبالتالي فهو لم يبحث فقط عن فرصة لضرب الانتفاضة، بل أيضاً عن فرصة لحرب ضد لبنان وسورية من أهدافها ضرب النموذج الملهم للانتفاضة، والذي يكبح الشارونيين، عدا الحسابات الإقليمية والدولية، وحال توازن الردع التي توجدها المقاومة.
من هنا لا يستطيع أحد أن يقلل من الاعتبارات الوظيفية الاستراتيجية للمقاومة سلاحاً ودوراً، وهي اعتبارات تخدم ولا شك مستقبل الموقع والدور اللبناني في المنطقة.
أما دولياً فإن النزعة الأميركية لنزع أي غطاء للشرعية الدولية عن المقاومة جاء تحت عنوانين هما: اعتبار أن الكيان الإسرائيلي انجز تطبيق القرار425. والثاني، عدم اعتبار مزارع شبعا لبنانية. وهذان الاعتباران يراد منهما تسليط سيف الإدانة الدولية لعمليات المقاومة وتحميل لبنان وسورية مغبة استمرارها. بكلام آخر، جعل لبنان مكشوفاً، أمام التهديدات الديبلوماسية الدولية والأمنية الإسرائيلية.
ربط المساعدات المالية للبنان بوقف عمليات المقاومة. أي محاولة الضغط على لبنان في أكثر نقاط ضعفه ووجعه، باعتبار أن المساعدات المالية هي المدخل لتحريك عجلة الاقتصاد المشلولة، فضلاً عن ربط هذه المساعدات بمطالب ذات صلة بطبيعة الاصلاحات المطلوبة اقتصادياً وإدارياً وحتى سياسياً.
وسط هذه الأجواء، كانت انتخابات رئاسة الجمهورية تقترب، فكان قرار التمديد للرئيس لحود الذي رفضته الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وقدمتا مشروعاً مشتركاً إلى مجلس الأمن في سابقة لا مثيل لها في التدخل في شؤون بحت داخلية في بلد عضو في الأمم المتحدة فأصدر مجلس الأمن قرار 1559 الذي كان هدفه الأساسي نزع سلاح المقاومة، ويلخص مقال للزميل الراحل جوزيف سماحة في 2 أيلول 2004، أي صبيحة اقرار مجلس الأمن للقرار المذكور، أهداف هذه الموقف الأميركي بأنه يريد تعميم الفوضى اللبنانية حيث يقول: “يبدو أن الولايات المتحدة الاميركية حسمت أمرها في ما تفضله للبنان. الفوضى العارمة. ويبدو أنها تخيّر اللبنانيين بين هذه الفوضى وبين الاستمرار على النهج الحالي حيال الموقع الإقليمي للبلد.
هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي يمكن أن يخرج به أي قارئ لمشروع القرار الأميركي المتعلق بلبنان والمقدم إلى مجلس الأمن. إن أي عاقل يملك معلومات أولية عن أوضاع لبنان وتوازناته وقواه يدرك الاستحالة المطلقة لتنفيذ الطلبات الأميركية: إخراج القوات السورية من دون تأخير من لبنان، وحل ونزع سلاح جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وذلك في خلال شهر واحد من تاريخ تبني القرار”.
أي أن المطلوب دفعة واحدة إغضاب سورية وتهديدها، وتجريد حملة عسكرية على المخيمات الفلسطينية، والاشتباك الشامل مع “حزب الله”، وقمع كل من تسوّل له نفسه الاعتراض على هذه الخطة. ومن يفعل ذلك؟ الجيش اللبناني الذي ساعدت دمشق في إعادة بنائه والذي يحتفظ بعلاقات جيدة مع المقاومة. ومن يأمر بذلك؟ حكومة لبنانية لا توافق على حرف واحد ممّا ورد في المشروع الأميركي.
يمكن لمعتوه فقط، أن يعتبر هذه المطالب واقعية وقابلة للتنفيذ.
كانت الولايات المتحدة تريد وضع لبنان وسورية خارج الشرعية الدولية. ويمكن الجزم بأنها كانت مدركة لعبثية ما تأمر بتنفيذه ولانعدام الأدوات القادرة على ذلك. وبناء عليه يمكن الاستنتاج أن واشنطن كانت تمهّد الطريق لجعل أي عدوان منها أو من إسرائيل على لبنان بمنزلة عملية شرطة تحصل لتأديب مجموعة من الخارجين على القانون.
بأي حال مع بدء الحديث عن إمكانية التجديد أو التمديد للرئيس إميل لحود انتظمت حملة قادتها واشنطن وباريس ضد سورية وضد لبنان بحجة الدميقراطية والتناوب على السلطة، ويلاحظ إنه منذ نهاية العام 2003 كانت بداية التحول في السياسة الفرنسية تجاه لبنان وكان عنوانه البارز، الانتخابات الرئاسية اللبنانية، الذي تداخلت فيه شبكة المصالح اللبنانية – الفرنسية الخاصة، وخصوصاً أن ملف الانتخابات الرئاسية اللبنانية يديره الرئيس شيراك شخصياً. ومؤخراً اشركت وزارة الخارجية في ملفات أعدت وتمت متابعتها من قبل قصر الإليزيه. وإن هناك تحولات جدية في السياسة الفرنسية الخارجية، وخصوصاً إزاء العلاقات مع أميركا، وسط تنامي التيار المطالب بالتوقف عن سياسة المغامرة في الاعتراض على ما تقوم به الولايات المتحدة في بعض مناطق العالم. وفق نظرية “تنظيم الاختلاف والاتفاق معهم”.
لم تحمل انتخابات 2022 تراجعاً في نسبة المشاركة عن 2018 وحسب، بل تراجعاً أيضاً في نسبة الحواصل في الدوائر الانتخابية الـ15، وكرس عدم تطبيق الدستور…read more →
أقلام الثبات إذا كان الدستور اللبناني كما عدل في 9/11/1943 في مادته ال 95 قال : "بصورة مؤقتة والتماساً للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة…read more →
ترافق وصول الرئيس الراحل رفيق الحريري الى رئاسة الحكومة في أواخر العام 1992 ، مع المحادثات النشطة بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل " برعاية أميركية…read more →