أقلام الثبات
منذ الاستقلال في العام 1943، ونحن نعيش الأزمات، التي تتناسل وتتكاثر وتتجمع، وفي كل مرة تنفجر لتطال شظاياها وشراراتها وكوارثها اللبنانيين، رغم أن بيان الحكومة الاستقلالية الأولى وضع الأصبع على الجرح اللبناني النازف دائماً، حيث أعلن البيان أن الحكومة “ستبادر لإصلاح الدستور اللبناني بحيث يصبح ملائماً لمعنى الاستقلال الصحيح وإلغاء المواد التي لا يتفق وجودها وقيام الاستقلال، ومنها ما يجعل لغير اللبنانيين مشاورة في تسيير شؤونه”.
هل تغير شيء؟
لاحظوا جيداً: “ومنها ما يجعل لغير اللبنانيين مشاورة في تسيير شؤونه”.
ثمة حقيقة، يجب الاعتراف بها رغم مرارتها أنه منذ الاستقلال ونحن على فوهة البركان، وندار بالحبال، أو بخيوط الحرير.
الجميع تقريباً مسلم بأن هذا النظام السياسي مولد للأزمات، والآن يبلغ أقصى أزماته، ويطال كل النواحي:
النظام السياسي في أزمة دائمة، النظام المصرفي الآن في أزمة عميقة، رغم أنه سطا عى أموال الناس والمودعين، ورغم أنه كان جزءاً من آلية النظام السياسي، وكان للمصارف دائماً وجود في أي حكومة، النظام الإداري هلهل وبحاجة إلى نفضة شاملة، النظام الاقتصادي، حدث ولا حرج، أزمات النظام لا حدود لها، لكن السياسيين دائماً يحلون مشاكلهم ومشاكل نظامهم بعرق وجهد ودم الناس، ودائماً دائماً، وفي كل مرحلة من مراحل هذا النظام العفن، كانت الطبقة السياسية تحرّف الأسباب الحقيقية للأزمة، فهي كانت قديماً بسبب العروبة، وبعدها بسبب اليسار الدولي والشيوعية، وثم بسبب الناصرية والقومية العربية، بعدها بسبب الوجود الفلسطيني والثورة الفلسطينية وهلمَّ جرا، وهاهم الآن يتحفوننا بمرحلة جديدة من الأسباب والمزاعم والاكاذيب، بأن السبب إيران وحزب الله، والمقاومة التي هزت الكيان الصهيوني منذ العام 1982، وبدأت أصوات وتحليلات يهودية وصهيونية ومفكرون، يطرحون احتمالات تفكك الكيان العبري وزواله، وخصوصاً بعد أن أرسى حزب الله معادلة توازن الرعب والقوة بعد الانتصارات العظيمة في أيار 2000 وتموز 2006 وغيرها من المواجهات والانتصارات التي لم يتذوقها التاريخ العربي والإسلامي منذ سقوط غرناطة في الأندلس منذ عام 1492م.
هل تذكرون شعار “قوة لبنان في ضعفه”؟ الذي حرم لبنان وجيشه من التسلح النوعي للرد على الأقل على أي اعتداء صهيوني، أو لجعل أي عدوان مكلفاً ما جعل لبنان مستباحاً براً وجواً وبحراً من قبل العدو منذ اغتصاب فلسطين عام 1948، حيث ارتكبت بحق لبنان واللبنانيين المزيد من الجرائم والمجازر، التي نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر، و”ذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى”:
– مجزرة صلحا، عام 1948 حيث جمع العدو الأهالي في مسجد البلدة وطلب منهم إدارة وجوههم إلى الحائط وبدأ بإطلاق النار عليهم من الخلف، فتحول المسجد إلى بركة من الدماء.
– مجزرة حولا عام 1949، حيث هاجمت قوة عبرية البلدة فجر 31 تشرين الأول بقيادة مناحيم بيغن على رأس فرقة “الهاجانا”، وقامت باعتقال النساء والرجال وعمدت إلى إعدام الرجال والمسنين، ودمرت المنازل التي جمعتهم فيها، فوق رؤوسهم أو رميهم بالرصاص، وراح ضحية هذه الهمجية أكثر من 105 شهداء.
– وشهدت بلدة حولا مجزرة ثانية عام 1967، وذهب ضحيتها 5 قتلى من النساء.
– مجزرة حانين عام 1967 : قامت اسرائيل بمجزرة حانين في 26 تشرين الثاني عام 1967، بعد حصار للقرية دام 3 أشهر، ثم قامت باقتحام القرية وأقدمت على قتل السكان بالفؤوس ونهب محتويات المنازل وإشعال النار فيها، وفي نهاية المجزرة سويت البيوت بالأرض باستثناء غرفة واحدة دون سقف لا تزال شاهداً على المجزرة.
– مجزرة ” يارين ” عام 1974 ، حيث عمدت قوة عسكرية إسرائيلية إلى التسلل باتجاه البلدة فنسفت 17 منزلاً وقتلت 9 مواطنين.
– مجزرة عيترون التي وقعت في 17/5/1975 وأدت إلى مقتل 9 اطفال. وشهدت البلدة حدوث مجزرتين الاولى كانت اثر انفجار قنبلة موقوتة أصابت عددا من أطفال البلدة والثانية عام 1989 فيما اعتقلت 3 اخوة وعصبت اعينهم واعدمتهم ورميت جثثهم على الطريق.
– مجزرة بنت جبيل 1976 عندما قصفت القوات الإسرائيلية سوق الخميس في بلدة بنت جبيل وذهب ضحية هذه المجزرة 23 شهيداً و30 جريحاً.
– مجزرة الأوزاعي عام 1978 حيث قام الطيران الإسرائيلي بقصف وحدات سكنية ومؤسسات تجارية في منطقة الأوزاعي المتاخمة للعاصمة بيروت مما أدى الى قتل 26 مواطناً وجرح آخرين وتدمير 30 وحدة سكنية تدميراً كاملاً.
ولا ننسى ابدا هنا
– مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982: حيث ارتكبت القوات الإسرائيلية وميليشيات لبنانية متعاونة معها هذه المجزرة، وذهب ضحيتها اكثر من الفي شخص من فلسطينيين ولبنانيين .
وللتذكير أيضاً، فقد نفذت وحدة كوماندوس اسرائيلية بقيادة رفائيل إيتان رئيس أركان جيش الاحتلال لاحقاً في 28 كانون الأول 1968، غارة على مطار بيروت الدولي وأقدمت على تدمير الطائرات المدنية (13 طائرة) تملكها شركة طيران الشرق الأوسط الميدل ايست، الجاثمة على مدارج المطار، والذريعة التي استخدمتها تل أبيب، أن فلسطينياً سافر على متن إحدى الطائرات التابعة للشركة لينفذ عملية فدائية في مطار أثينا.
لم تواجه المجموعة الاسرائيلية المغيرة على المطار أي مقاومة، والمفارقة أن الرئيس شارل حلو كما ذكر في حينه، كان مع قائد الجيش إميل البستاني على شرفة القصر الجمهوري في بعبدا المشرفة على المطار، وحرصا على تأكيد الاوامر العسكرية بمنع العسكريين من القيام بواجبهم الوطني بالدفاع عن الوطن.
ومن المفارقات أيضاً أن رقيباً يدعى أحمد شحادة بادر إلى إطلاق النار على قوة الكوماندوس من منطلق واجبه الوطني والعسكري، تم استدعاءه على الفور من قبل القضاء العسكري لأنه خالف الأوامر.
وللتذكير فقط، فإنه انئذ لم يكن لا مقاومة فلسطينية ولا مقاومة لبنانية، فهل من يعتبر؟!
وللتذكير أيضاً وأيضاً، فقد اغتالت اسرائيل في العاشر من نيسان عام 1973 ثلاثة من قادة المقاومة الفلسطينية هم: كمال عدوان، وكمال ناصر، وأبو يوسف النجار.. في ذلك الوقت، وصل فرقة الكوماندوس “الاسرائيلية” إلى العاصمة اللبنانية بيروت، متنكرين بزي مدني وكان بينهم إيهود باراك (رئيس حكومة العدو لاحقاً)، فيما قامت مجموعة أخرى بمحاولة تفجير مقر الجبهة الديمقراطية في حي الفكهاني في بيروت.
وانتهت العملية باستشهاد القادة الثلاثة، واستقالة الحكومة اللبنانية برئاسة صائب سلام، الذي حمل قائد الجيش العماد اسكندر غانم المسؤولية، لكن لم يتجاوب رئيس الجمهورية سليمان فرنجية مع رغبته.
يتبع.. (حلقة 2 الثلاثاء).
الثبات الجمعة 27 آب , 2021