بعد طول غياب عن دمشق، تلقيت دعوة من اتحاد الكتاب العرب، لحضور احتفاليته بيوبيله الخمسين، وإذا كنت قد وصلت إلى أول عاصمة في التاريخ البشري عند أول المساء، حيث كانت الشمس تترك ذلك الأفق المتوهج، فإن الشروق في صباح اليوم التالي كان يؤشر إلى كسر النعاس، وبداية الحركة اليومية، فسارعت إلى الطابق ال 15 من الفندق لأرى دبيب الحركة والحياة في هذه المدينة التي كانت من أكثر المدن التي احببتها في مسيرة عمري، رغم زياراتي ومروري في العديد من مدن وعواصم الكون، وعلى العلو الشاهق حضرني قول ياقوت الحموي(1179 – 1229م) “ما وصفت الجنة بشيء، إلَّا وفي دمشق مثله”.
كما تذكرت نزار قباني وشعره:
“كتب الله أن تكوني دمشقا بك يبدأ وينتهي التكوين
علمينا فقه العروبة ياشا م فأنت البيان والتبيين
إن نهر التاريخ ينبع من الشام ايلغي التاريخ طرحٌ.. هجين”
في إشراق صباحي الدمشقي الذي افتقدته منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، تحركت في شوارع المدينة أريد أن اتعرف على وجوه الناس، وعلى شوارع المدينة – التاريخ والحضارة والمستقبل.
الحياة تدور دورتها، لتؤكد دمشق بناسها وأهلها أنها كما كانت قبل ستة الآف عام قبل الميلاد عاصمة الدنيا، وكما كانت قبل 3 الآف عام قبل الميلاد روح “طريق الحرير” والقلب والتوهج، ثم قلب العروبة النابض.
تذكرت وانا ادور في الشوارع الدمشقية، أني سئلت من زميل سوري في عام 2014، كيف تجد الشام حين تزورها، فضحكت وقلت له: انا لم ازر مدينة “بيضة الزمان” منذ العام 1990، فاستغرب وسألني، وهذه المعلومات التي تنشرها عن سورية كل اسبوع من أين لك بها؟، فرددت بحسم: أنا اتحدث واكتب قناعتي واعتقادي، وأن دمشق إذا ضاعت، راح الحاضر والمستقبل وكل الأحلام.
المهم، كنت اراقب في حركتي وسيري واجهات المحلات، وحركة الناس، وازدحام السير، واندهش، فمدينة الياسمين، والثقافة والفنون والادب بخير، إذن، ستكون الأمة بخير، رغم الضريبة الكبرى التي تدفعها، ومهما تكالب الاعراب الذين “أهم أشد كفرا ونفاقا”، والاغراب والغرب، وكل شذاذ الآفاق الذين دفع بهم عرب وغرب وأميركيون وصهاينة، ليقتلوا الياسمين الذي بقي نضرا وفواحا، وعبيره يملأه الدنيا، رغم انف الكارهين.
تذكرت قول الرئيس المقاوم العماد إميل لحود لي، مع اشتداد المؤامرة الكونية على “قلب العروبة النابض” عام 2012، أن سورية ستنتصر، وستكتب بانتصارها تاريخا جديدا لهذا الشرق المعذب.
كم هي جميلة ورقيقة الشام، كأنها تجسد في الحاضر، كل تاريخها بمراراته وحلاوته..
قهرت كل الغزاة، وعندما كان الغرب يعيش في الظلام، كانت قناديل دمشق تشق الليل فيولد النور.
فوجئت وأنا اتوه في الشوارع الدمشقية أن الساعة قاربت الحادية عشرة من صباح يوم 15 كانون الأول، موعد افتتاح الاحتفالية باليوبيل الذهبي لاتحاد الكتاب العرب في مكتبة الأسد، فسارعت إلى هناك، حيث وجدت صديق الصبا البروفيسور راتب سكر بانتظاري، متلهفا لرؤيتي مع شيء من القلق أن أكون قد ضعت في شوارع دمشق وهو الذي يعرف عشقي لهذه العاصمة – التاريخ التي طال غيابي عنها.
.. وبدأت الاحتفالية التي تحدثت فيها السيدةالجليلة الدكتورة نجاح العطار نائبة رئيس الجمهورية، ممثلة قائد سورية الرئيس بشار الأسد، والذي وصفته بكلمتها: “الفريد في بسالته، الواثق بشعبه، الحامل مشعل الكفاح ومشعل التنوير” وقد تأكدت لي هذه الحقيقة من خلال زيارتي إلى مقر اتحاد الكتاب العرب، ودار الاوبرا، ونوادي الكتاب والأدباء الشباب، ومكتبة الأسد وغيرها.
كما تكلم في هذه المناسبة رئيس اتحاد كتاب أسيا وافريقيا وأميركا اللاتنية الدكتور شريف الشوباشي، والأمين العام لاتحاد كتاب فلسطين مراد السوداني، ورئيس اتحاد كتاب روسيا، ورئيس اتحاد الكتاب العرب مالك صقور الذي أشار إلى أن “تزامن العيد الذهبي لتأسيس الاتحاد مع انتصارات الجيش العربي السوري المحتضن من شعبه، وإلى دور الأدباء الأخلاقي والوطني في بناء ثقافة اطفالنا وتنوير شبابنا”.
وفي احتفالية اتحاد الكتاب العرب، كان ذلك اللقاء المسائي الفني الرائع في دار الاوبرا مع “الفرقة السيمفونية الوطنية السورية” بقيادة المايسترو باغبودريان، والتي تنقلت بنا في جزر البهاء والسحر، فقدمت مقطوعات خالدة،فكانت “رقصات غجرية” للالماني جوهان برامز، “الدانوب الأزرق” ليوهان شتراوس، كما كانت مقطوعات خالدة لخاتشادوريان و”كسارة البندق” لتشايكوفسكي، وعزفت الفرقة السيمفونية الوطنية السورية لسيراردو رودريغز من الاورغواي، مقطوعة “لا كمبورسيتا”، ولجورج بيزيه: “المشهد الريفي، والموسيقى الاحتفالية.
وإذا كانت الفرقة السيمفونية قد اختتمت احتفالاتها لعام 2019 بهذه الكلية من البهاء، فإنها اثبتت أنها فرقة عربية سورية عالمية، تستحق كل التقدير والشكر على تنقلها بنا في عوالم البهاء، وعلى هامش الإحتفالية الرائعة لاتحاد الكتاب العرب، كانت هناك سلسلة من النشاطات، شاركت في بعضها منها امسية أدبية، للأدباء الشباب، اقيمت في المركز الثقافي العربي في ابو رمانة في دمشق، برعاية البروفيسور راتب سكر، وفيها تعرفنا على جانب مشرق من دعم ورعاية الدولة الوطنية السورية لابداعات الشباب، وقدمت في هذه المناسبات، مداخلات لكل من نائب أمين عام اتحاد الكتاب اللبنانيين الدكتور أحمد نزال، وأمين سر الاتحاد الزميل خليل عاصي بالإضافة إلي.
كثيرة النشاطات التي صاحبت احتفالية اليوبيل الخمسيني لاتحاد الكتاب العرب، والتي اكدت لي أن سورية تنبض وتواجه العدوان بكل اوجهه وأشكاله، سواء كان تكفيريا أو صهيونيا أو أميركيا أو رجعيا عربيا.
يبقى ملاحظة هامة، وهي أن اتحاد الكتاب العرب في سورية سعى منذ تأسيسه في عام 1969 إلى توحيد كلمة العرب الشرفاء، فأولى اهتماما شديدا بالاتحادات الصديقة والعربية الشقيقة التي جعلت حرية الشعوب هدفها ونبراسها، والدفاع عن حقوق الإنسان قنديلها..
جريدة الثبات- دمشق
24/12/2019