سمير جعجع.. الخاسر دوماً – الراصد العربي

سمير جعجع.. الخاسر دوماً

من يلجم هذا الرجل عن مغامراته وشعاراته ووعوده التي لم تصدق مرة، ولم يجلب إلى “مجتمعه” وإلى أي مكان حل فيه إلَّا الخراب والموت والدم.. والهزيمة، كما أنه لم يخلص مرة إلى حليف أو رفيق، تعاقد معه، حتى سيده ورئيسه وزعيمه بشير الجميل الذي يتحدث إلى الصحافية اليهودية بربارة نيومن عن كيفية اغتيال الوزير والنائب الراحل طوني سليمان فرنجية وعقيلته وطفلته ابنة الثلاث سنوات وخادمته وحراسه، والذي ورد في كتابها “حب وموت في بيروت ص 149-150” حيث يقول: “ما فعله رجالنا بفرنجية كان خطأ… كان لدينا مشاكلنا مع المجموعة التي قامت بالعملية أنهم قوة مستقلة، وأكثر ولاء لقائدهم سمير جعجع”.

وحينما سألته بربارة: “هل طردت قائدهم؟”

أجاب بشير: “أصيب جعجع بجرح في بداية العملية، كانت مخابراتنا سيئة، وفشل كل شيء” مضيفاً: “لدينا مشكلة في التحكم به، ولكن لا أستطيع طرده، نحن بحاجة إليه ولرجاله”.

ورداً على سؤالها لبشير: “لماذا يظن الإسرائيليون أنك أنت فعلت ذلك؟”

أجاب: “لأنهم أعطوني الضوء الأخضر للقيام بذلك”.

في مقتلة إهدن أصيب سمير جعجع في يده، ولقد صدم بشير الجميل حين علم بنبأ مقتل أسرة طوني فرنجية، لكنه بقي متضامناً مع رجاله، أما جعجع فقد بقي لبضعة أيام مختبئاً في مستشفى أوتيل ديو، ثم نقل سراً إلى مؤسسة استشفائية في نانسي في فرنسا، ومن ثم إلى اسرائيل.. (آلان مينارغ، أسرار حرب لبنان ص47).

تعددت الشعارات التي أطلقها سمير جعجع، ولم يتحقق منها شيء، ولم يصدق منها واحدة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، “حالات حتماً” أي إنشاء مطار على اوتوستراد حالات، الذي استقبل فعلاً في الأول من حزيران عام 1987 الطوافة العسكرية رقم 906 التي كانت تقل الرئيس الشهيد رشيد كرامي من طرابلس إلى بيروت، ففجرت بواسطة الريموت كونترول.. وطبعاً كان المتهم الأول في هذه الجريمة، أحد أكبر أمراء الحرب في لبنان وهو سمير جعجع الذي حكم بالإعدام وأبدل بالسجن المؤبد.

ومن شعارات “حكيم القوات” في زمن مضى، كان “أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار” فكان أن تسبب بأوسع عمليات القتل بحق المسيحيين، ومنها كما ورد في العديد من وسائل الإعلام والمواقع، قتل:

– ابن رئيس لبنان (1952 – 1958) كميل شمعون، داني شمعون مع زوجته وطفليه.

– أمين سر البطريركية المارونية المونسينيور البير خريش ورمي جثته في حرش غزير. وكان من المفترض أن ترمى الجثة في برمانا لكي يصار إلى لوم الرئيس أمين الجميل.

–  قتل 23 مدنياً على جسر نهر الموت في ضاحية بيروت وذلك لقيامهم بتظاهرة سلمية كانوا يحملون خلالها الشموع. أعطيت الأوامر لحميد كيروز لرشهم بالرصاص.

–  قتل العميد في الجيش اللبناني خليل كنعان. وكان المسؤول عن تنفيذ المهمة إليك أيليا الذي قُتِل لاحقاً لإخفاء الدليل.

–  قتل النقيب في الجيش اللبناني أنطوان حداد في شباط 1990، حداد قُتل بالفؤوس.

–  قتل الملازم أول في الجيش اللبناني جوزف نعمة. نَفَذَ العملية طوني رحمة.

–  قتل قائد ثكنة الأشرفية العسكرية موريس فاخوري بالفؤوس. في وحشية لم يسبق لها مثيل. قُطِع قضيبه ووضع في فمه ورميت جثته في الشارع لأيام.

–    قتل إميل عازار قائد ثكنة البرجاوي العسكرية في بيروت.

–    قتل قائد الوحدة العسكرية ميشال إسرائيلي الذي رمي في البحر لتغطية الدليل.

–  محاولة قتل ثلاثة ضباط في الجيش اللبناني هم : شامل روكز وفادي داوود وداني خوند الذين سمموا بشكل مميت. فكان عليهم السفر إلى خارج لبنان للمعالجة في نيسان 1990.

–  اغتيال المواطن خليل فارس في شوارع الاشرفية.

–  قتل رئيس إقليم جبيل الكتائبي غيث خوري بعد إرسال فوزي الراسي في أثره خلال الليل. زوجته نورا قُتلت في المستشفى، بعد أن نجت من محاولة الاغتيال.

–  قتل قائد المشاة في “القوات اللبنانية” الدكتور الياس الزايك.

–     قتل شارل قربان قائد الفرقة المدرعة السابق للقوات اللبنانية. قربان الذي كان يعالج في مستشفى أوتيل ديو اقتيد من هناك ثم أطلق النار عليه ورميت جثته في البحر.

–  إعدام الضابط في “القوات اللبنانية” سمير زينون ورفيقه.

–  محاولة اغتيال قائد “القوات اللبنانية”، الدكتور فؤاد أبو ناضر.

–  محاولة اغتيال النائب نجاح واكيم.

–  محاولة اغتيال النائب ميشال المر.

وبالمناسبة ما زال مصير الديبلوماسيين الإيرانيين الأربعة الذين اختطفوا عند نقطة تفتيش حاجز البربارة العسكري التابع للقوات اللبنانية، مجهولاً، ولا يعرف أين مصيرهم وماذا فعل بهم حتى الآن.


||    نفايات سامة    ||

ولأن “أمن المجتمع المسيحي فوق أي اعتبار”، كانت النفايات السامة التي أدخلتها “المافيات الإيطالية” بالاتفاق مع “القوات”، ويقدر عددها بأكثر من 16 ألف برميل.

لم تكن هذه البراميل سوى واحدة من صفقات تجارة النفايات العديدة التي استقبلها لبنان منذ أواخر الثمانينيات من إيطاليا وكندا وألمانيا وبلجيكا وحتى من اسرائيل وربما غيرها… ودفن قسم كبير منها في شننعير أو رميت في البحر، كما وجدت براميل أخرى في العديد من الأمكنة في منطقة عيون السيمان وغيرها.


||    بطل الهزائم    ||

في ساحات الوغى، كان الفرار صفة ملازمة لقائد القوات حتى في مجزرة إهدن، حين أصيب بيده، فاختبأ في مستشفى أوتيل ديو ثم ذهب إلى فرنسا، كما جاء سابقاً.

بشكل عام فمسيرة جعجع العسكرية كانت متخمة بالهزائم في الميدان، ففي عام 1976 شهد أولى هزائمه حين كان قائداً لمجموعة قواتية كلفت باحتلال سرايا أميون الحكومي، وفي شباط 1980 وبعدما أصبح قائداً عاماً للقوات اللبنانية في الشمال قاد جعجع بنفسه معركة في بلدة “قنات” في قضاء بشري ضد القوات السورية وتعرض لهزيمة كبيرة، ويدّعي أنصاره زوراً إنه هزم لأن السوريين قاتلوا مدعومين بالطوافات والدبابات إلا أن هذا الادعاء ينسف سريعاً عند أول زيارة للارشيف، (موقع الخنادق 21/10/2021م).

وتلاحق الهزائم جعجع، إذ إنه بعد انسحاب إسرائيل من الجبل عام 1983 هرع جعجع لملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب الإسرائيلي ومواجهة أبناء المنطقة فكانت حرب الجبل إذ أن العدو الاسرائيلي اتقن تنظيم هذه الحرب حيث نظمت قبل أن تنسحب من التلال تسليمها أحياناً للقوات، وأحياناً للاشتراكيين على نحو يؤدي إلى التصادم فوراً، (مجلة الوسط – العدد 226 – 27/5/1996، مقابلة مع جورج حاوي)، وهكذا أدى الانسحاب “الإسرائيلي” إلى اشتعال الحرب على جميع محاور الجبل دفعة واحدة، وكان من نتيجتها فرار سمير جعجع وقواته إلى “دير القمر” وبعدها فر عن طريق البحر إلى جونيه، وفي مغامرة جعجع هذه تعرضت البلدات المسيحية إلى تدمير شامل وإلى أوسع عملية تهجير.

وبعدها كانت مغادرة سمير جعجع إلى شرق صيدا التي انتهت أيضاً بكارثة للمسيحيين، وهزيمة لجعجع وقواته.


||    انتفاضات وانقلابات على الرفاق والحلفاء    ||

تميزت مسيرة جعجع دائماً بالانقلاب على رفاقه وحلفائه من دون أن تخلوا هذه الحركات من الدم والخراب، ففي 14 آب 1984، توفي مؤسس ورئيس حزب الكائب بيار الجميل وانتخب الدكتور ايلي كرامة رئيساً للحزب والدكتور فؤاد أبو ناضر قائداً للقوات اللبنانية بدلاً من المهندس فادي افرام، فغدا الرئيس الجميل ممسكاً بالشرقية. وإثر قرار اتخذ بإزالة حاجز البربارة في العام 1985، بدا على حد تعبير كريم بقرادوني بمنزلة “قرار بإزالة القوات من الطريق وبالتحديد إلغاء حضور سمير جعجع في القوات” (لعنة وطن)، وعند فجر 2 آذار، حصلت الانتفاضة فأقصي فؤاد أبو ناضر، وتشكلت هيئة طوارئ بقيادة سمير جعجع وإيلي حبيقة، وفي 9 أيار انقلب ايلي حبيقة على سمير جعجع وتسلم قيادة القوات اللبنانية، لتبدأ بعد ذلك مفاوضات في دمشق بين القوات وحركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي والتي انبثق عنها ما اطلق عليه “الاتفاق الثلاثي” الذي وقع في أواخر كانون الأول 1985 في دمشق وسط حضور سياسي لبناني كثيف، لكن هذا الاتفاق ما لبث أن أطيح به في انقلاب قاده سمير جعجع بالاتفاق مع الرئيس الجميل في 15 كانون الثاني 1986 فسقط الاتفاق الثلاثي وأخرج حبيقة من الشرقية.


||    وتتواصل انقلابات جعجع    ||

بعد نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل في رئاسة الجمهورية، بدأ سمير جعجع يخطط لإنهاء الجميل وبعد عشرة أيام من مغادرته قصر بعبدا، أي في 3 تشرين الأول 1988، دخلت “القوات اللبنانية” منطقة المتن الشمالي، وسيطرت على مواقع الجميل العسكرية والمدنية، ووضعته في منزله،  في ما يشبه الإقامة الجبرية، مما اضطره إلى مغادرة لبنان نهائياً.

وحين تسلم العماد ميشال عون رئاسة الحكومة العسكرية في نهاية عهد أمين الجميل، أراد توحيد البندقية تحت لواء الشرعية، وإلغاء المرافق غير الشرعية، فخاضت “القوات” معارك طاحنة ضد الجيش مما أدى إلى إضعاف الصف المسيحي التي ترجمت في الطائف، بتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية.

وجعجع الذي تميز في مسيرته بانقلاباته على رفاقه وحلفائه، انقلب أيضاً على حليفه سعد الحريري الذي أسهم في قرار العفو عنه وخروجه من السجن، ومشهورة علامة النصر التي رفعها الحريري على درج مجلس النواب بعد قرار المجلس بإعفائه من عقوبة السجن، إذ أنه بعد اعتقال الحريري في السعودية وتقديمه من هناك استقالة حكومته، سارع جعجع إلى الدعوة لقبول الاستقالة وبدء استشارات نيابية، فبدا وكأنه يؤيد الانقلاب على الحريري.


||    ما تحقق أي شعار رفعه    ||

من “أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار”، إلى “حالات حتماً”، وصولاً إلى مراهناته على استقالة الرئيس العماد إميل لحود قبل انتهاء ولايته الممددة، قبل 14 آذار 2007، فكان أن استمر الرئيس المقاوم حتى الثانية الأخير من ولايته.

وجعجع الذي أطلق شعاره في الحرب الكونية على سورية، “فليحكم الأخوان” مراهناً على سقوط الرئيس السوري بشار الأسد قبل نهاية العام 2012، واعداً بحلق شاربه على الهواء إذا لم يتحقق ذلك، لكن ها نحن في أواخر العام 2021، وسورية تستعيد دورها وسيادتها على كل ذرة تراب من أراضيها.. لكن جعجع لم يف بوعده “بحلق شاربه”، لا بل أطلق لحيته.

وها هو يحاول جاهداً لاستغلال حركة 17 تشرين، تاركاً العمل الحكومي وبدء لعبة خبيثة للقبض على ناصيته القرار المسيحي، فحذار من لغة التحريض وخطاب الكراهية والعنصرية.. .

ببساطة لم تكن “حالات حتما” شعارا أو محطة سياسية عابرة في تاريخ القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، بل هي قاعدة ثابتة ومنهجية تفكير تفسر السلوكيات السياسية المتطرفة لرئيس القوات، التي تَحَمل تَبِعاتها المجتمع المسيحي برمته. لطالما جَرَّت خيارات سمير جعجع الويلات على المسيحيين في لبنان، فـ “جعجع وشقّ الصف المسيحي” لازمتان لا تفترقان منذ مجزرة اهدن إلى الصفرا إلى استهداف الجيش اللبناني مع ما يمثله بالنسبة إلى المسيحيين، إلى غيرها من الارتكابات والخيارات السياسية التي مازالت تحفر عميقاً في الوجدان المسيحي، وما زال المسيحيون يدفعون ثمنها حتى اليوم.

الثبات – أقلام الثبات – أحمد زين الدين

الإثنين  25 تشرين الأول , 2021