في موقف لـ”سيادي (لبناني) جداً جداً”، قال بـ”ثقة” الجنرال مونتغمري، “مثلما هزمنا ياسر عرفات، سنهزم حسن نصرالله”.
يا رجل، كن صادقاً، واخشى الله، فـ”شهادة الزور من أكبر الكبائر”.. في شرع كل الديانات السماوية والأرضية والعقائد، وكل قوانين الدنيا، فلماذا لم يقل هذا الرجل: مثلما هزمنا عرفات بدبابات أريئل شارون، نهزم نصرالله بدبابات بني غانتس” وكأنه لم يعلم ولا يدري ولا يعرف -وهو حقاً كذلك- بعويل دبابات الميركافا في وادي الحجير وسهل الخيام عام 2006، وهو طبعاً لم يرَ دموع أحبابه وصراخهم أمام بأس المقاومين الذين على حد ما قال فيهم الكاتب اليساري الفرنسي لويس اراغون، حين امتشق المقاومون سلاحهم وإرادتهم في وجه الدبابات الهتلرية: “هو ذا اليوم الذي أضأنا فيه القمر”.
طبعاً.. أيها الرجل لا تعلم معنى الكرامة الوطنية، لأن كل من هو من طينتك لا يسمع إلا ما يقوله البلاط وولي النعمة، وما يقوله الهيكل الذي تأخذون معمورديتكم منه.
يبدو أنه لابد من إنعاش الذاكرة المهزومة دائماً، لعلهم يشعرون بلحظة ما، بوخزة ضمير وطنية، ويفقهون تماماً فاتحة الصلاة المسيحية التي تعلمتها منذ طفولتي، “أبانا الذي في السموات” والتي فيها: “ولا تدخلنا في التجربة، ولكن نجنا من الشرير”.
وبهذا ألم تستفد كل هذه الطبقة السياسية من كل التجارب، وحتى لا نذهب بعيداً نعود إلى بداية الألفية الثالثة، حيث تتطابق المراهنا والحسابات.
مع بدء الحديث عن إمكانية التجديد أو التمديد للرئيس إميل لحود انتظمت حملة قادتها واشنطن وباريس ضد سورية وضد لبنان بحجة الدميقراطية والتناوب على السلطة، ويلاحظ إنه منذ نهاية العام 2003 كانت بداية التحول في السياسة الفرنسية تجاه لبنان وكان عنوانه البارز، الانتخابات الرئاسية اللبنانية، الذي تداخلت فيه شبكة المصالح اللبنانية – الفرنسية الخاصة، وخصوصاً أن ملف الانتخابات الرئاسية اللبنانية يديره الرئيس شيراك شخصياً. وإن اشركت وزارة الخارجية لاحقاً في ملفات أعدت وتمت متابعتها من قبل قصر الإليزيه. فكان هناك تحولات جدية في السياسة الفرنسية الخارجية، وخصوصاً إزاء العلاقات مع أميركا، وسط تنامي التيار المطالب بالتوقف عن سياسة المغامرة في الاعتراض على ما تقوم به الولايات المتحدة في بعض مناطق العالم. وفق نظرية “تنظيم الاختلاف والاتفاق معهم”.
وتبعاً لما نقل عن دبلوماسيين عرب في الولايات المتحدة الأميركية حينها: يروى أنه “بين الاحتفال بالذكرى السنوية لخسارة ألمانيا الحرب العالمية الثانية الذي أقيم في فرنسا انئذ، وقمة الدول الثماني التي عقدت في الولايات المتحدة الأميركية، عقد الرئيس شيراك اجتماعين على الأقل مع الرئيس جورج بوش الابن، عارضاً أمامه وجهة نظر فرنسا حيال نقاط الخلاف ونقاط التقاطع في العالم المتوتر، تحدث معه بإسهاب عن الشرق الأوسط، وأبلغه أن باريس لا تزال تنظر إلى ملف العراق من زاوية الأمم المتحدة، لكنها تجد مكاناً مشتركاً للعمل مع المشروع الأميركي”.
ووفقاً للرواية: “إرتاح بوش في مقعده كالنبيه الذي يستمع إلى اعترافات أحد خصومه”، قال شيراك: “نحن مثلكم نؤمن بأن الديمقراطية هي السبيل الوحيد لتنمية المنطقة وتحريرها من الأنظمة والأفكار المتخلفة ما يجعلها أقرب إلى أنظمتنا وقيمنا، ثم استعرض شيراك وضع الأنظمة العربية كلها من المغرب حتى اليمن، ثم وصل إلى لبنان وسورية، لكنه لفت انتباه بوش إلى أن التجربة الوحيدة القريبة من القيم الديموقراطية الغربية موجودة في لبنان، وتوقف شيراك على طريقته المسرحية ليقول: “إن الديموقراطية اللبنانية أمام مفترق طرق، أما أن ندعها تسحق على أيدي الديكتاتوريين، أو ننقذها بحملة سريعة ومكثفة، ونحن في فرنسا مستعدون لمشاركتكم الضغوط على سورية في هذا الاتجاه. ولنذهب مباشرة إلى الأمم المتحدة. ويوجد بين أيدينا الأوراق الكافية. من اتفاق الطائف الذي يجبر سورية على الخروج من لبنان، إلى الحملة السياسية اللبنانية المعارضة لمشروع التمديد للرئيس إميل لحود خلافاً لما ينص على الدستور (ليس معروفاً إذا كان شيراك قد تلا أمام بوش نص المادة 49 من الدستور) … ويبدو أن الفكرة لمعت في رأس العبقري بوش، وتصرف على الأرجح تماماً كما يقدمه مايكل مور، فالتفت إلى أحد مساعديه الذي يدون المحضر طالباً إليه التأكيد على متابعة الفكرة”.
الملف انتقل بسرعة إلى مسؤول ملفات الشرق الأوسط في البيت الأبيض وليس إلى الخارجية الأميركية، اليوت ابرامز، اليهودي الليكودي، الذي لا يطيق سماع اسم سورية، درس الفكرة الفرنسية، وأبدى اهتمامه بها، لكنه تشاور مع فريقه من مساعديه، وأرسل إلى وزارة الخارجية طالباً نسخة عن مواقف الحكومة الفرنسية من ملف الانتخابات الرئاسية في لبنان خلال الأشهر القليلة الأخيرة، وعندما قرأ الملف، استخدم تعابير رعاة البقر في التهكم على شيراك: يريدنا أن نعمل عنده، وهو الذي يرتبط بعلاقات خاصة مع سماسرة في لبنان، ثم بعث ببرقية إلى من يهمه الأمر طالباً وبوضوح على فرنسا والرئاسة الفرنسية تحديداً، أن تبادر إلى أسماعنا مجموعة من المواقف التي تتناسب وهذا الطلب، وقبل ذلك يصعب علينا البحث بالأمر.
بالطبع سارعت فرنسا إلى إطلاق المواقف المتتالية من الاستحقاق اللبناني، لم تترك وسيلة إلا واستخدمتها للتعبير عن رفضها لما تفكر به سورية، وعندما سأل دبلوماسي فرنسي رئيسه: ومن هو مرشحنا نحن، جاءه الجواب: اليوم تتلخص مهمتنا في منع التجديد لـ لحود، ليس لدينا مرشحنا وليست هذه هي الأولوية الآن، كانت هذه العبارة ضرورة للدبلوماسي الذي يريد أن يلتقي بحشد من الشخصيات اللبنانية ومن بينها مرشحون للرئاسة، وبالتالي فهو ملزم بتوزيع عبارات الثناء على الجميع دون الالتزام بموقف من أحد.
الأميركيون تابعوا الملف لاحقاً بجدية بالغة، وثمة اعتبارات كثيرة تتقاطع لتجعل هذا الاهتمام في مرتبة رئيسية بينها:
1- ليس في الإدارة الأميركية ولا في الكونغرس الأميركي من يحب أو يكنّ الود لسورية، وليس هناك أصلاً من يدافع عن سورية.
2- ثمة رغبة وحاجة أميركية موجودة خصوصاً في وزارة الدفاع والبيت الأبيض تلح على القيام بتحرك عاجل ودائم ضد سورية لوقف ما تعتبره الولايات المتحدة دوراً سورياً معرقلاً في العراق، وعناوينه: متسللون وممولون وأموال عراقية والموقف من الحكومة المؤقتة.
3- ثمة فريق في الإدارة الأميركية كان يعتقد أنها مناسبة لإشعار سورية بالخطر ودفعها إلى تنازلات على الجبهة الفلسطينية أيضاً.
4- ثمة فريق في وزارة الخارجية الأميركية كان يقوده السفير ديفيد ساترفيلد. والذي يعتقد أن أصدقاء الولايات المتحدة في لبنان، وخصوصاً من المسلمين، يحتاجون جرعة دعم في هذه المرحلة وان هؤلاء يئنون من وجود الرئيس لحود في الحكم” (السفير 2 أيلول 2004 – العدد 9886).
بعد سجال استمر من خريف 2003 حتى خريف 2004، وكانت فرنسا تلعب دور الوكيل الأقليمي، وتحاول التوصل إلى اجتماع غربي وروسي حول أميركا ووضعها المتأزم في العراق، بعد أن اتضح أنها بدأت تفقد قدرة المبادرة، وأن المقاومة العراقية، انتزعت المبادرة.
في تلك الفترة كان حلفاء واشنطن التقوا في 6 حزيران 2004 في النورماندي بمناسبة الذكرى الستين لتحرير فرنسا من النازية، وتقرر الإطاحة بالنظام السوري عبر البوابة اللبنانية ونزع سلاح المقاومة، وتولت واشنطن وباريس – شيراك إدارة التخطيط والتوجيه للحرب، وهذه المرة عن طريق الأمم المتحدة التي كانت الولايات المتحدة لم تعرها اهتماماً في حربها على العراق.
منذ شهر آب 2004، بلغ التشاور والبعثات السرية والعلنية، نشاطاً مكثفاً وملحوظاً، للتخفيف من المأزق الأميركي المتصاعد في العراق، وبالتالي التفتيش عن نصر بديل.
وعلى ذلك، كان في 2 أيلول 2004، قرار مجلس الأمن الدولي 1559، محاولة لإنقاذ الهيبة الأميركية التي أرادت أن يكون لبنان مخفراً أمامياً لها، بغية الإطاحة بالنظام السوري.
وهنا تلاقت المصالح الاميركية، الفرنسية، وبعض العربية وخصوصاً السعودية، مع بعض الداخل اللبناني كوليد جنبلاط الذي اعتقد أن العصر الأميركي قد بدأ إضافة إلى قرنة شهوان، وبقايا القوات إلخ…
إذاً، كان القرار 1559 الأداة لطرد سورية من لبنان ونزع سلاح المقاومة، وتأكيد على الإدارة الأميركية – السعودية في لبنان من دون منافس تحت حماية القوة الأميركية “العملاقة”.
الجدير بالملاحظة في هذا المجال، أن الخلاف بين واشنطن ودمشق بدأ مع الاستعداد الأميركي لغزو العراق، حيث كان واضحاً عند القيادة السورية أن الهجوم على أفغانستان واحتلالها ليس سوى البداية، وبعدها سيكون العراق وسورية ومحطات أخرى، وهنا يأتي الدور السعودي في الضغط على سورية، لان السعودية بحكم تاريخها ونظامها وتركيبتها وعلاقاتها غير مهيأة، بأي شكل من الأشكال للصدام مع الولايات المتحدة، فحاولت أن تسوي الأمور بين الصديق والشقيق، لكن الإدارة الأميركية لها شروطها السياسية التي لا يمكن لدمشق أن تقبلها وهكذا بدأ الخلاف السوري – السعودي وراء الكواليس وكانت بدايته غير المعلنة خلال القمة العربية في بيروت قبل عام ونيف من غزو العراق.
بعد صدور القرار 1559، بدأ الصراع سراً وعلناً، وبدأ التخطيط لما يسمى “الثورة الملونة” على الطريقة الاوكرانية، فكانت حركتها في البدء بطيئة جداً واقتصرت على اللقاءات في البريستول، لتبدأ بالتالي المناخات تتكون لهبوب العاصفة، لكن الحصاد بقي صفراً، إلى أن حصل الزلزال في 14 شباط 2005 باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
كان لاغتيال الرئيس الحريري تداعيات كبيرة وخطيرة، لكن لم يتحقق منها سوى خروج السوريين من لبنان، غير أن ذلك لم يؤد إلى الإنقلاب الكبير، في الاستيلاء على السلطة بالكامل من قبل تحالف: المرتدين على الوصاية السورية بعد أن تلذذوا بخيراتها، مع المرتبطين بالنفوذ السعودي وجماعة الاميركيين.
وعلى وقع تداعيات اغتيال الرئيس الحريري، قدَّم الرئيس عم كرامي استقالة حكومته، ليكون لبنان هنا أمام مرحلة جديدة هي الانتخابات النيابية، بحيث لم تفلح محاولات تأجيلها لشهرين من أجل وضع قانون انتخابي جديد.
كان اغتيال الرئيس الحريري الزلزال الذي هزَّ لبنان، وبدّل التحالفات وغيرها، وسط تدخل أميركي – فرنسي غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين الدول، رافقه تبدل في المواقف السياسية، كان أبرزها لوليد جنبلاط الذي انقلب على تاريخه وتاريخ حزبه السياسي، بدأها بتوجيه سلسلة رسائل إلى الأميركيين، أبدت الإعجاب بنقل الديمقراطية إلى العراق، واعتبرها من مبررات اجراء الانتخابات النيابية في لبنان في 2005، ومن ثم كان إعلانه أنه يفضل أن يكون زبالاً في نيويورك بدلاً من أن يكون زعيماً وطنياً في لبنان.
بيد أن كل ذلك لم يكن كافياً لإجراء الانتخابات النيابية، فاستمر مسلسل التفجير والاغتيالات من أجل مزيد من الارباك الذي يؤدي على التحريض على دمشق وعلى المقاومة وسلاحها.
كان لافتاً الإصرار على الانتخابات النيابية من الولايات المتحدة ومن ما يسمى المجتمع الدولي، وخصوصاً بعد الانسحاب السوري من لبنان في 26 نيسان 2005، حيث كان تأكيد على إجراء هذه الانتخابات وفي موعدها وبأي قانون، حتى وإن كان قانون 2000.
وفي بيان رئاسي، رحب مجلس الأمن الدولي “بقرار الحكومة اللبنانية إجراء الانتخابات اعتباراً من 29 أيار 2005، ويؤكد أهمية إجراء هذه الانتخابات وفقاً للموعد المقرر، ويشاطر مجلس الامن الأمين العام رأيه بأن التأخير في إجراء الانتخابات النيابية من شأنه أن يسهم في زيادة تفاقم الانقسامات السياسية في لبنان ويهدد أمن البلد واستقراره وإزدهاره”.
نشط انئذ السفير الأميركي جيفري فيلتمان والسفير الفرنسي برنار إيمييه في كل الاتجاهات، سواء من أجل الحث على المشاركة في العملية الانتخابية أم في صوغ التحالفات، وتحديد اللوائح، والحصص لهذا الطرف أو ذاك.
كان واضحاً أن كل هذا الصخب لن يسفر عن النتائج التي يتوخاها “تحالف 14 آذار” الذي كان يخطط لأن يكون له أكثرية نيابية ساحقة تتجاوز الـ90 نائباً حسب تصريح للمرشح سعد الدين الحريري، لأن الوضع الميداني والشعبي حسب استطلاعات سرية أجريت أظهر أنه غير ملائم، وأن الأكثرية الحالية لن تكون أكثرية بأي شكل من الأشكال، خصوصاً بعد أن رفض زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون، التشاطر الذي حاول أن يظهره بعض المفاوضين من الأطراف الأخرى كمروان حمادة وغطاس خوري، حيث أن العماد عون كان قد لمس باكراً أن هناك خطة لاستهدافه، وخصوصاً بعد زيارة له إلى واشنطن، التي لم تستطع أن تستوعبه، فغادر العاصمة الأميركية ناقماً واتجه نحو مقره في باريس أثناء النفي قبل العودة إلى لبنان، علماً أن واشنطن كانت قد استدعت قبله النائب وليد جنبلاط، ثم سعد الحريري، حيث تم التركيز خلال هذا اللقاء على كيفية محاصرة ما كان يسمى “الموالاة” وتطويق حزب الله.
أمام العجز عن استيعاب العماد عون، وعدم الوضوح في ميزان القوى السياسية في بيروت والشمال وزحلة والبقاع الغربي، كانت اللعبة الذكية بإشهار الموقف الداعم للمقاومة وسلاحها، وذهب الحماس بوليد جنبلاط في مهرجان في بنت جبيل في الذكرى الخامسة للتحرير أن يطالب حزب الله بتحرير القدس، فنشأ التحالف الرباعي الذي ضم الحزب التقدمي الاشتراكي، تيار المستقبل، حزب الله، وحركة أمل، مما وفر للأكثرية معركة انتخابية رابحة تمثلت بالآتي:
1- أنتج هذا التحالف منع حصول معركة انتخابية متكافئة في بيروت وبدت كأنها تتم بالتزكية.
2- وفر نجاحاً للتحالف في دائرة بعبدا – عالية منح الأغلبية النيابية 10 نواب، وتراوح الفارق بين الرابحين والخاسرين بين ألفين وخمسة آلاف صوت.
3- وفر عدم قيام معركة انتخابية متكافئة في البقاع الغربي، ومع ذلك كان الفارق بين بعض الفائزين والخاسرين بين أربعة آلاف وخمسة آلاف ناخب.
كما منح هذا التحالف فوزاً بالتزكية للنائبة بهية الحريري في صيدا.
ورغم ذلك، فإن ما تخلل هذه الانتخابات وفق تقرير المراقبين الدوليين يضع علامات استفهام كثيرة حول نزاهتها، بحيث يمكن القول أنها كانت أقرب إلى انتخابات 15 أيار 1974، وانتخابات العام 1957 اللذين ذاع صيتهما في التزوير.
بشكل عام لم تمض أسابيع على الانتخابات النيابية وتشكيل حكومة جديدة برئاسة فؤاد السنيورة، حتى بدأ الإنقلاب على التحالف الرباعي يتبلور شيئاً فشيئاً.. وكان الاغرب فيها محاولة استغلال دماء الرئيس رفيق الحريري في توتير الأجواء السياسية في البلاد، تارة بذريعة المحكمة الدولية، وطوراً بحجة الأوضاع الاقتصادية، وأحياناً بسبب ما زعم عن تدخل سوري بالشؤون اللبنانية أو مع حلفائها، وبشكل عام، كان التصعيد الكلامي الجنوني لبعض رموز قوى 14 آذار، وكان الأبرز فيه في البداية التصعيد المفاجئ للنائب وليد جنبلاط بإعلانه أن “سلاح المقاومة هو سلاح الغدر” مؤذناً بذلك بانتهاء التحالف الذي نشأ في الانتخابات النيابية.
هذا التصعيد “كان لافتاً للنظرة لعدة أسباب:
أولاً: أنه تصعيد قد يؤدي إلى توتير أمني ملموس، يصعب ضبطه في ظل الأجواء المشحونة.
ثانياً: أن التوتر السياسي والأمني السابق واللاحق والمرتقب، مستوحى من التدخلات الأجنبية، لا سيما تدخلات السفير الأميركي والسفير الفرنسي في لبنان، ناهيك عن “الزيارات” المختلفة لبعض مسؤولي الولايات المتحدة وفرنسا للبنان.
ثالثاً: إن موضوع التوتر محصور في قضية واحدة تشمل كل القضايا المتداولة ألا وهو نزع سلاح المقاومة الذي تمّ تحويله من ملف داخلي إلى قضية دولية بفضل الخطاب السياسي الموثور لبعض رموز 14 آذار.
رابعاً: ألغى التصعيد الكلامي أي إمكانية لمعالجة القضايا الداخلية التي تهم المواطن اللبناني، فإذا قوى 14 آذار تتبنى بدورها مقولة “لا صوت فوق صوت المعركة”، أي لا حديث عن القضايا الداخلية قبل “استرجاع الوطن” وكأن لبنان ما زال يرزح تحت احتلال اجنبي حتى بعد خروج القوات السورية من لبنان في نيسان 2005. ربما لا تستدعي التدخلات الاميركية والفرنسية والبريطانية في الشؤون الداخلية “استرجاع الوطن” بل ربما المقصود هو استرجاع لبنان من محيطه العربي وإعادته إلى محور التحالفات الغربية المناهضة للقضايا العربية! أي بمعنى آخر أن يتم تحويل لبنان إلى ساحة صراع دولي وإقليمي بفضل موقف مدعي الحرص على سيادة لبنان وأمنه وحريته واستقراره” (زياد الحافظ، السفير 6 آذار 2006، العدد 10336).
في عام 2006 كان الانقسام الداخلي دخل مرحلة خطيرة، وبدا إن شرارة واحدة تكفي لإشعال لهيب لا يعرف مداه، وهنا كانت الحملة المنددة بالرسوم الكاريكاتورية الدانماركية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وتوجت بغزوة الأشرفية في 5 شباط، فجرى تداركها، بسرعة ويومها خاطب سمير جعجع انصاره بأن لا يتعرضوا للغوغائين لأنهم “حلفاءنا”.
وفي 6 شباط 2006 وقّع أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وزعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون وثيقة التفاهم بين الحزب والتيار، التي جاءت بطريقة غير مباشرة، وغير مخططة مسبقاً كرد على غزوة الأشرفية من جهة، وشكلت وثيقة سياسية لإمكانية إنجاز تفاهمات سياسية تأخذ بعداً وطنياً مصيرياً في الحفاظ على البلد ومواجهة التحديات من جهة ثانية.