أمام المأزق الذي أخذت تدخل به البلاد منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، واتساع شقة الخلاف بين اللبنانيين، بحيث باءت كل المبادرات لرأب الصدع الآخذ بالتوسع بالفشل، فيما لم تتمكن المحادثات الثنائية من الوصول إلى أي حد من التفاهمات التي يمكنها أن تلجم التدهور السياسي الخطير، كان واضحاً أن الانقسام العربي الحاد ينعكس بثقله على النزاعات اللبنانية، وإن كان تحت شعار حماية ومساعدة لبنان فيما التدخلات الدولية وخصوصاً الأميركية والفرنسية تزيد الانقسامات حدة وتهدد بأوخم العواقب، وبدا أن البلد يتجه بسرعة نحو الفتنة، هنا ابتدع الرئيس نبيه بري الحوار الوطني الذي ضم 14 طرفاً سياسياً برئاسة 14 قطباً لبنانياً أطلق عليهم الرئيس بري أثناء الدعوة إلى الحوار”باب أول”، وكل قطب بالطبع جاء بمعاونين ومستشارين فبلغ عدد الحضور على الطاولة المستديرة 42 شخصاً في الطبقة الثالثة من المجلس النيابي، وكان لافتاً أنه مع اليوم الأول للحوار الوطني في 2آذار 2006 غادر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط البلاد إلى واشنطن في زيارة طويلة بعد أن حضر جلسة الافتتاح للمؤتمر، مؤكداً بعد كل لقاء مع مسؤول أميركي موقفه من ضرورة تنفيذ القرار 1559 واستقالة رئيس الجمهورية وإنهاء دور المقاومة، وهو ما كان له أحياناً صداه داخل المؤتمر.
وفي 12 تموز 2006، استطاعت المقاومة بعملية جريئة ونوعية من أسر جنديين إسرائيليين، لتشن إسرائيل حربها الواسعة على لبنان، والتي لقيت دعماً دولياً غير مسبوق، أوضحت ناظرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس أهدافها، بإعلانها من بيروت أنه من رحم هذه الحرب سيولد الشرق الأوسط الجديد، فاستمرت هذه الحرب التي حققت فيها المقاومة انتصارها الكبير، مدة 33 يوماً، وبالتالي مر الموعد المحدد للحوار ليعلن مبتدع الحوار الرئيس نبيه بري في 25 تشرين الأول، عن إطلاق طاولة التشاور في 6 تشرين الثاني …
لم تكن الحرب الإسرائيلية السادسة على لبنان، حرباً بين الكيان الصهيوني ودولة، أو دول عربية، كما كان في عام 1967 أو 1973 إنما كانت بين حزب الله كحركة تحرر وطني لبنانية، وكمقاومة متجذرة في الجنوب ويلتف حولها إجماع وطني لبناني ساحق، رغم الكثير من الأصوات الداخلية التي راهنت وتراهن على التدخل الأميركي والإسرائيلي.
وإذا كان العدوان الصهيوني الواسع على لبنان جاء إثر عملية “الوعد الصادق” التي نفذتها المقاومة الإسلامية في 12 تموز وتمكنت خلالها من أسر جنديين صهيونيين، إلا أن هذه الحرب كانت حرباً أميركية أولاً وفرنسية ثانياً، ودولية – عربية ثالثاً على لبنان ومقاومته، بإدارة إسرائيلية، وحظيت بغطاء داخلي لبناني، ذكرنا بالغطاء الداخلي الذي توفر لاجتياح العام 1982، الذي انتج تحت حرابة رئيسين للجمهورية.. مع فارق كبير هو أن المقاومة اللبنانية الباسلة استطاعت أن تهزم العدوان، وتحبط أهدافه ومشاريعه وهو يحصل للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني.
لقد صدرت كثير من المؤلفات حول يوميات الحرب على لبنان بين 12 تموز و14آب، لكن ما يعنيني هو، هل أن هذه الحرب جاءت نتيجة عملية “الوعد الصادق”؟.
لقد أكدت الكثير من المواقف والوثائق والأبحاث أن هذه الحرب، حضّر لها من قبل واشنطن وتل أبيب منذ انتصار المقاومة في 24 آيار 2000، وبدأ وضع خططها وأهدافها بعد 11 أيلول 2001، وتعززت وتطورت وتقرر وضعها موضع التنفيذ العملي بعد الغزو الأميركي للعراق، لكن تنفيذها كان ينتظر التوقيت المناسب، ووفقاً للمعلومات، فإن هذا العدوان كان يخطط له ليكون في شهر أيلول وتحديداً إبان رمضان، لكن عملية الوعد الصادق سرعت موعد الحرب.
ففي 21/7/2001 كشفت مجلة “سان فرنسيسكو كرونيكل”، أن هذه الحرب تم الأعداد لها منذ سنة 2000، وان الجيش الإسرائيلي تدرب عليها، على طول الحدود عدة مرات منذ عامين من خلال أنظمة محاكاة حيث دارت معارك افتراضية في مواقع مشابهة لمواقع حزب الله.
لقد كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان حرباً دولية بما فيها عربية وبعض الداخل على المقاومة.
فعلى المستوى الداخلي، لابد من قراءة الموقف الدولي بشكل عام والموقف الأميركي بشكل خاص لنفهم أبعاد التوتر والأجواء التي شحنت بشكل اصطناعي على الساحة اللبنانية قبل عدوان تموز وهيأت له.
فالملاحظة الاولية لقراءة التصريحات الاميركية (لن ندخل بما قاله الأميركيون لرموز 14 آذار في اجتماعاتهم الثنائية المغلقة) تفيد بأن الولايات الأميركية “حريصة” على لبنان وعلى سيادته واستقراره – على الأقل هذا ما تحمله مختلف التصريحات الأميركية بشأن لبنان بدءاً من كونداليزا رايس وصولاً إلى جيفري فلتمان السفير الأميركي ومروراً بدايفيد وولش وما يأت من موفدين! في الحقيقة يمكن فهم تهافت رموز 14 آذار في قراءة الموقف الأميركي لأنهم يعتمدون على التصريحات التصعيدية والمتشددة للمسؤولين الأميركيين، فلا عجب إذ قرأوا مواقف المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة انئذٍ جون بولتون أو حتى رئيسته رايس واستنتجوا أن الولايات المتحدة جادة في دعمهم إلى أقصى الحدود في مواجهتهم لسورية وللمقاومة في لبنان، لكن ما يغفل عن بال رموز الأكثرية النيابية وقوى 14 آذار هو أن المشاريع الأميركية في المنطقة تتعثر يوماً بعد يوم وأن المأزق الذي وقعت فيه الولايات المتحدة في العراق كشف عورتها السياسية وحتى العسكرية فبات واضحاً أن طموحات الولايات المتحدة غير منسجمة مع إمكانياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية وأن “قوتها الضاربة” في المنطقة العربية وخصوصاً تلك التي اصطفت في لبنان في معسكرها، أي بمعنى أخر “ستقاتل” الولايات المتحدة حتى آخر نفر من معسكر قوى 14 آذار ولن ترسل أسطولها السادس إلى شواطئ لبنان كما فعلت عام 1958 و1982. (د. زياد الحافظ – السفير 6 آذار 2006- العدد 10336).
وأوضحت تطورات الحرب على لبنان ومقاومته أن قيادات 14 آذار، كانت على علم بالعدوان، وربما لهذه الأسباب لم تتوصل جلسات الحوار التي عقدها رئيس المجلس النيابي نبيه بري في المجلس النيابي بين 2 آذار وتموز 2006 إلى نتائج، وخصوصاً أن الزوار اللبنانيين من جماعة 14 آذار إلى واشنطن ونيويورك كانوا على إطلاع على مجريات الأمور وتطوراتها “وخصوصاً على نموذج كوسوفو، وحسب مصادرهم فإن العدوان تأجل من 28 أيار إلى 12 تموز، ورغم ذلك لم يطلعوا لا حزب الله ولا قيادة الجيش على ما يجري لأنهم “اعتبروا أن الفرصة سانحة للقضاء على حزب الله” (جان عزيز – البلد – 21 تموز 2006).
ويروي وفد نقابات المهن الفنية أنه كان صبيحة 13 تموز 2006 في زيارة لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة حينما سمعه يرد على الهاتف قائلاً: بعد أسبوع أو عشرة أيام تنتهي كل الأمور ويرتاح لبنان نهائياً.
ليتبين لأعضاء الوفد بعد خروجهم من هذه الزيارة أن العدوان الإسرائيلي قد بدأ بشكل واسع النطاق.
وفي جلسة مجلس الأمن الدولي في الأسبوع الأول للعدوان على لبنان، استغل المندوب الإسرائيلي مواقف بعض قادة 14 آذار ليستشهد بها في تبرير العدوان.
وفي بيان لقوى 14 آذار قال عن عملية “الوعد الصادق” إنه “أمر عمليات نفذه حزب الله في جنوب لبنان” وتساءل البيان “هل حصلت العمليات العسكرية وفقاً لحسابات أقليمية رداً على تحليق الطيران فوق قصر ما، (المقصود قصر الرئاسة في اللاذقية) أو التعثر في مفاوضات ما (المقصود إيران)، وإعاقة تشكيل المحكمة الدولية (المقصود سورية)”، ولا شك في أن مثل هذه التساؤلات مضللة لأنه لا تستند إلى أي حجة قانونية أو علمية أم سياسية، فالمشروع النووي الإيراني له مسار لا يمكن أن توقفه عملية عسكرية، وللمحكمة الدولية سياق آخر لا يعيقها أي حرب أبداً، وهذا ما برهنت عليه الوقائع حينما استمر مجلس الأمن في متابعة الشأن النووي الإيراني واتخذ في ذلك قراراً، وكذلك تابع المحقق براميرز من دون أي إعاقة (السفير 9 آب 2006 – العدد 10469).
أما عربياً، فقد صدر ليل 13 – 14 تموز، أي في اليوم الثاني للعدوان، بيان عن مصدر سعودي مسؤول نشرته وكالة الأنباء السعودية بأن “السعودية تود أن تعلن بوضوح أن لابد من التفرقة بين المقاومة الشرعية وبين المغامرات غير المحسوبة التي تقوم بها عناصر داخل الدولة ومن وراءها دون الرجوع إلى السلطة الشرعية في دولتها ودون تشاور أو تنسيق مع الدول العربية، فتوجد بذلك وضعاً بالغ الخطورة يعرض جميع الدول العربية ومنجزاتها للدمار من دون أن يكون لهذه الدول أي رأي أو قول…”
وأضاف البيان “إن المملكة ترى أن الوقت قد حان لأن تتحمل هذه العناصر وحدها المسؤولية الكاملة عن هذه التصرفات غير المسؤولة وأنه يقع عليها وحدها عبء الأزمة التي أوجدتها”.
وحاولت السعودية أن تخفف من وقع هذا التصريح بعد جلسة لمجلس الوزراء في 17 تموز، فجاء مطابقاً لما ذكره المصدر المسؤول وإن حمل هذه المرة إسرائيل المسؤولية حيث أكد وزير الثقافة والإعلام السعودي إياد مدني بعد الاجتماع على أن “الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على لبنان وشعبه هو امتداد لسياسات الاحتلال”، محملاً إسرائيل مسؤولية “التطرف واليأس وانهيار الأمن وتفتت القرار الوطني داخل القطر الواحد”، الأمر الذي “نجم عنه انفلات بعض العناصر والتيارات وانزلاقها إلى قرارات منفردة استغلتها إسرائيل أبشع استغلال لتشن حرباً مسعورة ضد لبنان الشقيق وتحكم أسرها للشعب الفلسطيني بأكلمه”.
وإذا كان البيان السعودي قد صدر مثله من قبل الرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني عبد الله الثاني، إلا أنه لقي تجاوباً كبيراً من زعيم الأغلبية النيابية اللبنانية سعد الدين الحريري الذي أكد في تصريح له بواسطة الهاتف إلى صحيفة “عكاظ” السعودية نشر في 18 تموز أن “موقف المملكة الأخير كان موقفاً عقلانياً يتصف بالحكمة السياسية والبعد عن العاطفة، لان الوضع لا يحتمل المجاملات والمملكة في بيانها قالت الحقيقة كاملة. فأولئك المغامرون وضعونا في موقف محرج بسبب مغامراتهم غير المسؤولة.
زفي 21 تموز 2006 ذكرت صحيفة “يديعوت احرونوت” أن رئيس الحكومة الإسرائيلية تسلم رسالة سرية من “حاكم دولة عربية معتدلة لا تقيم معها علاقات ديبلوماسية” قال فيها: “اؤيد عملياتكم في لبنان وشعرت بحاجة إلى تشجيعكم في هذه اللحظة، أنتم ملزمون بالاستمرار حتى النهاية، جهات عديدة في العالم العربي تتمنى لكم النجاح”.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس من جهته: “هذه هي المرة الأولى التي تتمتع بها حملة عسكرية إسرائيلية بهذا التأييد، خصوصاً من الدول العربية التي أيدت الخطوات التي تقوم بها إسرائيل للدفاع عن نفسها، ونحن نريد أن نحافظ على هذا التأييد وإقناع الرأي الدولي بأن وجود حزب الله بهذه القوة سيمنع تنفيذ التفاهمات الدولية وقرارات الأمم المتحدة”.
وأوضحت “يديعوت احرونوت” أن الرسالة التي وصلت عبر قنوات ديبلوماسية، لم تفاجئ أحداً في القدس، ونقلت الصحيفة عن مصدر في وزارة الخارجية الإسرائيلية أنه وصلت في الأسبوع الأخير، رسائل من الدوائر العربية إلى القيادة السياسية”.
وأضاف هذا المصدر، في إشارة إلى ما يسمعونه في محادثات مغلقة مع دبلوماسيين ومع وزراء خارجية بل ومع قادة دول عربية، أن “ما نسمعه في الدول العربية ببساطة مذهل” وأشار إلى أن الجمل تكرر نفسها، “واصلوا هجماتكم العسكرية إلى أن تمحوا حزب الله، ستصنعون معروفاً كبيراً للبنان ولكل المنطقة إذا قضيتم على نصر الله هذا”، “لا تتوقفوا حتى تقضوا عليهم”، “كل من يصف نفسه معتدلاً يتمنى لكم النجاح” و”لإسرائيل وحدها الشجاعة للوقوف في وجه هذا الرجل” غير أن مصادر الخارجية الإسرائيلية ترى أنه لا يتعين التحمس الزائد لهذه الرسائل، “يقولون لنا في الواقع قوموا بعملنا جميعاً، ولكنهم علناً لن يقولوا حتى ربع هذا الكلام” (السفير 21 تموز 2006، العدد 10450).
حتى أن الرئيس الأميركي جورج بوش قال في 27 تموز “أن هذه الحرب تشكل فرصة”، لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وذلك بفضل “إعلان الدولة العربية قلقها من أعمال حزب الله”.
كانت فاضحة مواقف الأنظمة العربية وبعض “مثقفيها” الذين لقيوا تجاوباً بالطبع في الداخل اللبناني، بأن ما قامت به المقاومة الإسلامية ومواجهتها الباسلة للعدوان الإسرائيلي، ليس سوى محاولة إيرانية لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة، مما يعني ببساطة بأن هؤلاء يعتبرون العدو هو إيران لا إسرائيل.
ويبقى أن نشير إلى تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية شون ماكورماك في 19 تموز 2006 ليتبين مدى التواطؤ مع العدوان حيث يقول: “إن الإدارة الأميركية تعمل مع دول المنطقة خصوصاً المحور المصري – الأردني – السعودي على تقويض قدرات حزب الله لمنعه من جر المنطقة في المستقبل إلى حلقات العنف”.
أما دولياً فقد لقي العدوان الإسرائيلي تأييداً وتغطية من قبل ما يسمى المجتمع الدولي بهيئاته الاممية والإقليمية، إضافة بالطبع إلى الدول والحكومات.
باختصار كانت الولايات المتحدة الأميركية هي التي قاتلت في لبنان، ورفعت سقف المطالب الإسرائيلية إلى أكثر ما كانت تتطلع إليه إسرائيل نفسها، وأرسلت كونداليزا رايس إلى المنطقة من أجل رفع معنويات حكومة يهودا أولمرت ودفعها لإطالة امد الحرب، ومن أجل توبيخ جماعة 14 آذار في غداء السندويشات الشهير في السفارة الاميركية.
والولايات المتحدة هي من منع قرار مجلس الأمن من اتخاذ أي قرار للوقف الفوري للنار قبل انضاج القرار الذي يؤدي إلى اتفاق مشابه لاتفاق 17 أيار جديد لأن “أميركا تسعى إلى إلقاء لبنان المحطم والخانع في فلك النفوذ الإسرائيلي” (باتريك سيل، الحياة 28/7/2007).
ومع بدء العدوان الإسرائيلي، بدت إدارة بوش سلبية بشكل غريب، وقال الرئيس الأميركي جورج بوش “إنها لحظة الصفر” في قمة دول مجموعة الثماني في سانت بطرسبورغ في 16 تموز 2006، مضيفاً “لقد بات واضحاً لماذا لا يوجد سلام في الشرق الأوسط” ووصف العلاقة بين “حزب الله” وأنصاره في إيران وسورية بأنها “الجذور الكامنة وراء عدم الاستقرار” وبالتالي اعتبر بوش أن على هذه البلدان أن تنهي الأزمة، وبعد يومين، رغم دعوات العديد من الحكومات التي طالبت الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة في المفاوضات لإنهاء القتال، أصرت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس، على أن وقف إطلاق النار يجب أن يتم عندما تصبح “الظروف مؤاتية”.
وإلى ذلك، شاركت إدارة بوش مباشرة في التخطيط للهجمات الإسرائيلية الانتقامية، وقد أكد مسؤولون دبلوماسيون ومسؤولون حاليون وسابقون في الاستخبارات، أن الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني مقتنعان بأن حملة قصف ناجحة تنفذها القوات الجوية الإسرائيلية ضد صواريخ “حزب الله” المحصنة تحت الأرض، وضد تعقيدات القيادة والسيطرة في لبنان، يمكن أن تخفف من قلق إسرائيل بشأن أمنها، كما من شأنها أن تخدم كمقدمة لهجوم وقائي أميركي محتمل لتدمير منشآت إيران النووية المحصنة هي أيضاً عميقاً تحت الأرض (سايمور هيرش، مجلة نيويوركر، نقلاً عن السفير 15 آب 2006).
وباختصار يتساءل سايمور هيرتش إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان التي أعد لها مسبقاً في المطبخ الاميركي – الإسرائيلي، كي تكون مدخلاً تمهيدياً وتجريبياً في الوقت ذاته لحرب تضمرها واشنطن ضد إيران.
بأي حال، فالحرب على لبنان ليست وليدة ساعتها، وكما كشف الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلس الجنرال الأميركي المتقاعد ويسلي كلارك، في حديث لموقع “الديموقراطية الآن” أن وزارة الدفاع الاميركية أصدرت في العام 2002، مذكرة “تصف كيف ستجهز الولايات المتحدة على سبع دول خلال خمس سنوات، تبدأ في العراق، ثم سورية، مروراً بلبنان وليبيا والصومال والسودان وتنتهي بإيران”.
وقال كلارك إنه فيما كان يقوم بزيارة لوزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد ونائبه بول ولفوويتز في “البنتاغون”، بعد نحو عشرة أيام من هجمات 11 أيلول، عرّج على “هيئة الأركان المشتركة” لإلقاء التحية على “زملاء عملوا تحت إمرتي” وتابع أن “أحد الجنرالات طلب التحدث معه على انفراد” قائلاً له بارتباك “لقد اتخذنا القرار بغزو العراق في 20 أيلول 2002.
ولما سأله كلارك عن السبب، متسائلاً ما إذا كانت الإدارة الأميركية قد اكتشفت رابطاً بين صدام حسين والقاعدة، أجاب الجنرال بالنفي، مضيفاً، “اعتقد أنهم لا يعلمون ماذا سيفعلون غير ذلك.. وكأننا لا نعلم ماذا يتوجب علينا أن نقوم به حيال الإرهابيين”.
وتابع كلارك أنه قام بزيارة الجنرال بعد بضعة أسابيع، أي “فيما كنا نقصف أفغانستان” وسأله “ما إذا كانت الإدارة عازمة فعلاً على مهاجمة العراق؟” فأجاب الجنرال “لا بل أسوأ من ذلك.. لقد تلقيت للتو من فوق “مكتب وزير الدفاع” هذه المذكرة.. التي تصف كيف سنجهز على سبع دول في خمس سنوات”. فسأله كلارك ما إذا كانت المذكرة “سرية”، وعندما رد الجنرال بالإيجاب، رفض كلارك رؤيتها، لكنه تبلغ منه أسماء الدول السبع المستهدفة. (السفير 15 آذار 2007، العدد 10650).
فتحت أحداث 11 أيلول 2001، الباب واسعاً لتنزيل أفكار التوسع والهيمنة الأميركية على العالم، حيث بدا الشرق الأوسط مختبراً مثالياً، ليس فقط لأن الذين فعلوها في 11 أيلول، من أبناء المنطقة، ولكن أيضاً لأن المغريات فيها بلا حدود، ثم ان حالة الهشاشة والضعف فيها بلا حدود، كما أن التحريض الإسرائيلي عليها هو أيضاً بلا حدود.
صاحب هذا الاجتهاد هو مدير مؤسسة واشنطن لشؤون الشرق الأدنى روبرت ساتلوف، أحد أبرز العقول المؤثرة في التفكير الاستراتيجي الأميركي.
وقد تحدث ساتلوف عن المنطقة باعتبارها كياناً متهالكاً منزوع العافية، وكل ما يشغله هو كيفية تكريس الاستسلام للتطلعات الأميركية والإسرائيلية. (فهمي هويدي، السفير العدد 10091، 5 نيسان 2005).
وقد ركز ساتلوف في دراسته تلك على لبنان وسورية وشدد على عدة امور أهمها ما يأتي:
– الدعوة إلى استئصال أي نفوذ سوري في لبنان، بعد ضمان استئصال الوجود السوري هناك، فإن الرقابة الدولية على الانتخابات اللبنانية يجب أن تكون محكمة للغاية، بحيث يتولى الفريق الدولي المرشح لتلك المهمة، ليس فقط مراقبة عملية التصويت، ولكن عليه أن يراقب الحملة الانتخابية. (يعترف هنا جيفري فيلتمان بتقديم واشنطن 500 مليون دولار، لمصلحة حلفاء أميركا للفوز بالانتخابات)
– الإصرار على نزع سلاح حزب الله حتى لا يشكل أي تهديد لإسرائيل، وقطع الطريق على تلقيه أي مساندة أو عون عسكري من إيران والقبول بوجود الحزب في الساحة السياسية فقط، وذلك شرط أساسي لرفعه عن القائمة السوداء التي تتضمن المنظمات الإرهابية.
– بعد ضمان استئصال الحضور السوري في لبنان ينبغي أن يلاحق النظام في دمشق ذاتها عن طريق تركيز النشاط الاستخباراتي لمراقبة الوضع في الداخل، فتح ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون، لانهاك النظام هناك إلا إذا استجاب لشرطين:
أولهما: زيارة الرئيس بشار الأسد لإسرائيل والتحاقه بمسيرة السلام معها.
وثانيهما: طرد منظمات المقاومة “الإرهابية” من دمشق وإغلاق مكاتبها.
وبعد، أمام التطورات التي يشهدها بلدنا والمنطقة، أما آن لهؤلاء المغامرين أن يستفيدوا ويتكلموا، أن في هذا العالم، ليس من مكان للضعفاء، وأن العملاء عادة هم أول من يدفعون الثمن.
التجربة تكرر نفسها… السيناريو يتكرر بأشكال مختلفة.. لكن متى يفهم هؤلاء أن زمن الخوف قد ولى… وجاء زمن الانتصارات.