الفساد في لبنان.. واقعه وجذوره (3) – الراصد العربي

الفساد في لبنان.. واقعه وجذوره (3)

القوات العراقية التي  قرر نور السعيد ارسالها لدعم شمعون نفذت ثورة 14 تموز واطاحت النظام الملكي

على مدى تاريخ لبنان الاستقلالي منذ العام 1943 ، لم يرتح اللبنانيون من الأزمات  التي تتناسل وتتكاثر وتتجمع ، لتنفجر في كل مرة وتصيب الناس  بشظاياها وكوارثها ، ويضاف اليها فضائح الفساد ونهب المال العام بأشكال مختلفة وكان هناك دائما التطلع الى الخارج والاعتماد عليه ، سواء للاستفادة المادية او للاستقواء على قسم من اللبنانيين ، وهذا الخارج لا يهم من يكون حتى لو كان ” اسرائيليا ” ، كما أن هناك نوع من “تأليه” لسياسي ما ، حتى وإن كان سببا في معاناة البلاد والعباد ، كما هو حال ما يطلق عليه “عهد الرخاء والبحبوحة ” أي عهد الرئيس كميل شمعون ، الذي يرى فيه البعض انه مذهل بتوقعاته كحال ما ينسب اليه انه في سنة 1976 ومع اشتداد اوار الحرب الأهلية ورداً على سؤال حول مستقبل لبنان، أجاب الرئيس كميل شمعون: “خلي عينك على العراق”، وتمسك انذاك بمعادلة “عراق قوي، لبنان مستقر”. ، كما يقولون ، مع انه لم يكن هناك أي تطورات أو أحداث في العراق ، وللعلم فأن احداث ثورة 1958 أو “الثورة الشعبية ” ، او حتى ” الحرب الأهلية ”  في لبنان او سمها ما شئت  ، كانت السبب المباشر لثورة 14 تموز في العام 1958 في العراق ، ويذهب البعض الى التأكيد ان شمعون سرع انئذ بهذا الانقلاب ، “كما اعترف الرئيس العراقي الأسبق الراحل عبد السلام عارف ، لأن شمعون استنجد بالقوات العراقية في عهد نور السعيد ، كي تساعده على قمع الحركة الشعبية المعارضة ،أو على وقف ما  أطلق عليه ثورة 1958 ، وبدلا من ان تأتي هذه القوات التي أراد نور السعيد ارسالها الى بيروت بقيادة الضابطين عبدالكريم قاسم وعبد السلام عارف ، توجهت إلى قصر الرحاب في بغداد ، وقلبت النظام واستولت على السلطة “.( محمد باقر شري – الديار- ص4 – 19 نيسان 2006 – العدد 6247 ).

يسجل هنا انه امام التطورالعراقي انئذ بما يعني سقوط ” حلف بغداد ” لبت الولايات المتحدة طلب الرئيس شمعون بالتدخل العسكري بعد أن كانت قد رفضته سابقا ،  فأنزلت قوات المارينز على شواطئ بيروت تنفيذا “لمشروع ايزنهاور”  ، الذي أكد انه يلبي نداء رئيس الجمهورية . ويسجل هنا موقف قائد الجيش اللبناني انئذ اللواء فؤاد شهاب بأنه أصدر أمرا لكي يسجل موقفا ولو   بشكل رمزي أنه ضد الاستنجاد بالأسطول السادس ،بارسال دبابة الى شاطئ الأوزاعي لكي يبلغ قوات الغزو الأميركي انه ضد وجودها في لبنان  ، علما ان الأميركي أراد من تواجد اسطوله إصابة عصفورين بحجر واحد هما :
أولا : تلبية طلب شمعون
ثانيا : أن يرابط الاسطول السادس قريبا من التطورات التي استجدت انئذ في العراق ، والتي واكبها نزول قوات بريطانية في المفرق في الأردن ،لكي لا تتسع رقعة الثورات والانقلابات لصالح الوحدة العربية بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة (الوحدة بين مصر وسورية في شباط 1958 ) .

وبالمناسبة يروي سمير صنبر أنه عندما نزل المارينز على شواطئ بيروت صيف 1958 في جهوزية عسكرية شاملة لكي يخمدوا ثورة 1958، فوجئوا بالسابحات الفاتنات على شواطئ السان جورج والأوزاعي والسبورتينغ. توقفوا على الرمال ولم يتقدموا بانتظار تعليمات البنتاغون من واشنطن. وصلت رسالة عاجلة إلى أدميرال الأسطول السادس من قائد الجيش اللبناني اللواء فؤاد شهاب يطلب أسرع لقاء ممكن «تجنباً لسفك الدماء» وحصل اللقاء على الواقف عند زاوية «الأيدن روك» آخر الرملة البيضاء.

حضر اللقاء ثلاثة ضباط، قال الجنرال شهاب  بكل هدوء وحزم ما معناه: «نحن، أنت وأنا عسكر، لعلنا نتفاهم، أنا قائد جيش لبنان المستقل، واجباتي حماية حدود الوطن وكرامته وسيادته، أقول لك وبكل مودة للدولة الصديقة الولايات المتحدة الأميركية، مع التقدير الواعي لقدراتها العسكرية، أنني سأكون وأركاني الضباط على استعداد للمواجهة الخاسرة بالطبع دفاعاً عن موقعنا”.

فوجئ الأدميرال الأميركي، وأخذ يتطلع حوله مستغرباً ومستمعاً للجنرال الذي استمر يقول: «إذا كان المطلوب الأمن والنظام فنحن نتكفل بذلك، أما إذا كان الهدف الحقيقي مواجهة ثورة العراق، فإن كتاب الجغرافيا سيرشدكم إلى أماكن أقرب، وإذا كان الغرض القضاء على الخطر الشيوعي، فكما تلاحظ ليس هنا قوى شيوعية تحاول الاستيلاء على الحكم». أخذ الأدميرال يحدّق إلى وجه الجنرال الذي استمر ينفس بهدوء «إذا أردتم المساعدة فالأفضل أن ترسلوا مبعوثاً مدنياً يستكشف الوضع ويتفاهم مع السياسيين» ثم أضاف بابتسامة باهتة: «أكلة الجبنة «الفروماجيست» عندنا مستعدون دائماً للتفهم والتفاهم». في لحظات، تحوّل التعجب إلى إعجاب، ورفع الأدميرال يده بالتحية العسكرية وهو يقول مودعاً: «جنرال، لقد تشرفت فعلاً بهذا اللقاء». ثم أمر جنوده بالانسحاب.

كيف تلقى شمعون عام 1958 شاحنة بنادق إسرائيلية والكتائب تلقى مساعدة 3الف دولار أميركي من شاريت عام 1951

في نفس تلك الفترة استنجد كميل شمعون بالعدو “الأسرائيلي”  ، حيث طلب بصفته رئيسا للجمهورية” من جنرال في الجيش ” الإسرائيلي” اسمه إسحاق رابين كان يشغل قائد الجبهة الشمالية للكيان ( رئيس ا لوزراء لاحقا ) حمولة شاحنة من 500 بندقية هجومية ,وقد حصل عليها ، وبعد فشل شمعون في تجديد ولايته ، وضعت العلاقة مع تل ابيب على الرف ” (اسرار حرب لبنان – الان مينارغ – ص 68 ).

واذا كان أسماء  عائلات   عربية  بينها عائلات لبنانية ا  سمسرت على القضية الفلسطينية ، وباعت اراضي لليهود وما استحت، فثمة معلومات هامة تكشفها ويكيليكس من خلال وثائق الحكومة البريطانية عن بيع اراضي فلسطين قبل النكبة والمساحات المباعة والاراضي التي منحها الانتداب البريطاني لليهود لاقامة المستوطنات عليها واسماء العائلات اللبنانية والسورية التي خدعت الفلسطينيين و لعبت دور الوسيط العقاري للزبائن اليهود الذين لم يظهروا في المشهد وخانت امتها وهي اليوم التي تتسيد المشهد السياسي والاقتصادي في اوطانها وفي أوروبا ، فإنه يسجل أيضا اتصالات مبكرة بين بعض اللبنانيين والدولة العبرية ، فيتحدث الان مينارغ في كتابه “اسرار حرب لبنان ص 47 ، في مقتطف  من يوميات وزير الخارجية الإسرائيلي  الأول موشيه شاريت في صحيفة لوموند دبلوماتيك – ديسمبر/كانون الأول 1983” أن أول علاقة  بين حزب الكتائب والدولة العبرية قامت “في العام 1951 طلب حزب الكتائب مساعدة مالية لحملته الانتخابية التشريعية ، زاعما انه يضم من  20  الف  الى 30 الف عضو . سأل شاريت الموساد حول الموضوع فجاءت التقارير تفيد بوضوح : أن هذا الحزب يضم خمسة الاف عضو ، وليس لديه أي حظ في الفوز بأي مقعد ، بالرغم من ذلك ، وافق موشيه شاريت على منحهم مبلغا متواضغا وقدره 3 آلاف دولار أميركي ، اعترافا لهم بجميل المساعدة التي كان بعض المسيحيين قد قدموها بصفة فردية ليهود سوريه الذين أرادوا الرحيل الى “إسرائيل “، عندما تأسست الدولة العبرية ” .

يضيف مينارغ : “لم يفز حزب الكتائب في انتخابات 15 ابريل / نيسان 1951 ،بأي مقعد ، الا أن مبادرة شاريت بالرغم من طابعها الرمزي ، لم تكن خالية من خلفية سياسية “.

أحمد زين الدين

الثبات,أقلام الثبات الجمعة 16 أيلول , 2022