رئيس تيار المردة الوزير والنائب السابق سليمان كأنه كتب عليه منذ نعومة أظفاره ان يعيش في قلب الصبر والتحدي ، لم يكن قد بلغ الثالثة عشر من عمره ، حين ” ودع والديه وأخته الصغيرة جيهان ( كان عمرها أقل من ثلاث سنوات) فجر يوم الاثنين 12 حزيران 1978 ، عائدا الى بيروت للالتحاق في المدرسة الداخلية قبل استئناف الدروس صباح الاثنين ، ولو بقي في اهدن لكان لقي حتفه مع عائلته ، وبالتالي هو نجا بأعجوبة . ” ( ريشار لابيفيير – مجزرة إهدن أو لعنة العرب المسيحيين -ص 292 – دار الفارابي ) .
وعند فجر الثلاثاء 13 حزيران 1978 كانت غارة أكثر من الف مسلح على اهدن ، وهذه العملية ” كانت موشومة بوشم الموساد ، منذ البدء بإعدادها العسكري حتى تنفيذها ، من أولها الى آخرها ” (نفس المصدر السابق _ ص171) .
اعتراف واضح بالجريمة
يعترف بشير الجميل بكثير من تفاصيل عملية الإبادة في تلك العملية المشؤومة سيئة الذكر ، فيتحدث إلى الصحافية اليهودية بربارة نيومن عن كيفية اغتيال الوزير والنائب الراحل طوني سليمان فرنجية وعقيلته وطفلته ابنة الثلاث سنوات وخادمته وحراسه، والذي ورد في كتابها “حب وموت في بيروت ص 149-150” حيث يقول: “ما فعله رجالنا بفرنجية كان خطأ… كان لدينا مشاكلنا مع المجموعة التي قامت بالعملية أنهم قوة مستقلة، وأكثر ولاء لقائدهم سمير جعجع”.
وحينما سألته بربارة: “هل طردت قائدهم؟” أجاب بشير: “أصيب جعجع بجرح في بداية العملية، كانت مخابراتنا سيئة، وفشل كل شيء” مضيفاً: “لدينا مشكلة في التحكم به، ولكن لا أستطيع طرده، نحن بحاجة إليه ولرجاله”.
ورداً على سؤالها لبشير: “لماذا يظن الإسرائيليون أنك أنت فعلت ذلك؟” أجاب: “لأنهم أعطوني الضوء الأخضر للقيام بذلك”.
في مقتلة إهدن أصيب سمير جعجع في يده، ولقد صدم بشير الجميل حين علم بنبأ مقتل أسرة طوني فرنجية، لكنه بقي متضامناً مع رجاله، أما جعجع فقد بقي لبضعة أيام مختبئاً في مستشفى أوتيل ديو، ثم نقل سراً إلى مؤسسة استشفائية في نانسي في فرنسا، ومن ثم إلى اسرائيل.. (آلان مينارغ، أسرار حرب لبنان ص47).
رغم كل ذلك ، فقد تعالى رئيس تيار المردة دائما على جراحه وألمه، ففي سنة 1989 قبل بالطائف دستوراً جديداً وكان اول من سلّم سلاح ” المردة” للدولة اللبنانية ، كما قام بدعم ترشيح الرئيس الشهيد رينه معوض للرئاسة مما شكل محطة مضيئة في بداية عمله السياسي، وعلامة فارقة في تاريخ العلاقات بين اهل السياسة في المنطقة الواحدة.
دعم ترشيح الرئيس معوض
يروى ان سليمان طوني فرنجيه لعب دورا بارزا في دعم ترشيح الرئيس معوض۔ فور انجاز اتفاق الطائف “من هنا يمكن تفسير المعاملة المميزة التي لقيها سليمان طوني فرنجيه من قبل الرئيس الراحل واللفتة التي خصه بها عندما قال بعيد انتخابه رئيسا للجمهورية، وفي قصر الرئيس فرنجيه نتذكر الان الشهيد البطل طوني بك فرنجيه، واليوم موجود بيننا نجله سليمان بك فرنجيه، وكذلك تلقي الاخير التهاني الى جانب الرئيس معوض في منزل الرئيس الراحل بمناسبة انتخابه رئيسا للجمهورية۔(الديار 14 / 1 / 1990 – ص6 ) .
وبالمناسبة ، فقد روى لي الدكتور سمير صباغ وورد في كتابي “رئاسيات وانتخابات ص 55 ” ، انه” كان في تلك الفترة في دمشق ، حيث التقى نائب الرئيس السوري في حينه عبد الحليم خدام ، الذي أعلمه أن النائب رينه معوض سيكون رئيسا للبنان إذا جاء بكتاب تأييد من الرئيس سليمان فرنجية .
وأثناء وجود صباغ في باريس ، يلتقي بمعوض الذي سأله عن لقائه بخدام ، فسرد له ماسمعه منه ، فما كان من معوض الا أن أخرج من جيبه رسالة ، تبين انها من الرئيس فرنجية وفيها مباركة و وتأييد بانتخاب معوض ” .
بأي حال ، فان الوزير فرنجية يرى ان الحاجة الملحّة ايضا تتمثل في ضرورة تطبيق اتفاق الطائف كاملاً قبل اي حديث عن تطويره او تبديله او الذهاب الى اي عقد جديد بين اللبنانيين من اي نوع كان.
اذاً، وعلى عكس ما يحاول ان يصوّر البعض، يلعب فرنجيه دوراً محوريا بطريقته واسلوبه الخاصين خلال هذه المرحلة الجديدة من الشغور الرئاسي، وذلك من خلال خلقه شبكة تواصل داخلية وخارجة في الوقت نفسه تهدف الى طمأنة الجميع دون اي استثناء بعيداً عن اي محاولات الغائية لم يرضها لنفسه يوماً ولن يرضى ان يمارسها هو مع اي طرف كان.
أحمد زين الدين
الثبات,أقلام الثبات,الجمعة 10 آذار , 2023