خطفت التطورات الميدانية في جنين ومخيمها في الضفة الغربية المحتلة الأضواء، بعد أن حاول العدو على مدى أسبوع كسر إرادة المقاومة الباسلة، عبر عمليات عسكرية واسعة، استعمل فيها عدداً كبيراً من الجنود والآليات والطائرات الحربية والمسيرات، مستهدفاً البنى التحتية المقاومة، إضافة إلى محاولات القتل أي اغتيال المقاومين كما جاء في بيان للجيش العبري.
يلاحظ أن العدو وعلى أعلى المستويات بدأ منذ نحو عامين محاولة كسر الإرادة المقاومة في جنين ومخيمها، إذ أن مجلس الوزراء الصهيوني والمؤسسات الأمنية المختلفة من: “شاباك، موساد، جيش، وهلم جرا”، اتخذوا قرار القضاء على المقاومة، تحت عنوان “القضاء على الإرهاب”، وكان التركيز على جنين، بصفتها عاصمة المقاومة في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
منذ العام 2021 كان لافتاً ارتفاع وتيرة أعمال المقاومة، ردها على الاعتداءات الصهيونية، واعتداءات الأجهزة الأمنية المختلفة، والتي تلازمت أعمال المقاومة مع عملية “سيف القدس” في أيار 2021، وتواصلت باستعمال مختلف أنواع الأسلحة التي كانت ترتفع وتتدرج، تصاعداً من الطعن بالسكاكين وعمليات الدهس من عام 2010 في كل فلسطين ما عدا غزة المحررة منذ عام 2005.
لقد صارت محاولات إنهاء المقاومة في الضفة الغربية الشغل الشاغل للعدو، الذي عمل منذ احتلال الضفة الغربية في حزيران 1967، لجعلها منزوعة السلاح، فكانت سلسلة عمليات صهيونية، من الاقتلاع والاستيطان والاعتقال والتهجير، ولكن جزوة الرفض للاحتلال لم يتجمد، فتجددت بقوة أكبر مع أجيال ولدت بعد عام 1990 وبعد العام 2000، بيد أن الدولة العبرية لم توقف أعمال الاستيطان والتهجير وسرقة الأراضي، وبالتالي كان أمام الفلسطينيين المواجهة بالانتفاضات المتلاحقة، بدءاً من الحجر مروراً بالطعن ثم الدهس وأخيراً بالعمليات العسكرية النوعية.
بشكل عام على مر عمر الصراع مع العدو، كانت جنين صانعة أجيال من المقاومين، في البدء، شهدت جنين آخر معارك المقاوم السوري الشجاع عز الدين القسام الذي كان قد خرج من سورية، وأقام في حيفا، ثم اعتصم في جنين، وتركت مقاومته أثراً كبيراً في اندلاع الثورة الكبرى والإضراب الكبير عام 1936، وبقي لمخيم جنين، منذ ذلك الحين، هذه السمعة البطولية في أذهان الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء، فيما مثّل عام 2002 نقطة تحوّل بارزة في تاريخ المقاومة في المخيم، الذي كان على موعد مع معركة كبيرة ضد “جيش” الاحتلال الذي اقتحمت آلياته المخيم ودمّرته، لكن المقاومة حينها شكّلت واحدة من أبرز محطات الصمود والانتصار في التاريخ الفلسطيني المُعاصر.
لقد حفرت معركة مخيم جنين في نيسان عام 2002، وقبلها أيضاً خلال سنوات انتفاضة الحجارة (1987-1994) مع مجموعات “الفهد الأسود” وغيرها، وصولاً إلى المواجهات المباشرة خلال العامين الماضيين، وحتى الأيام الأخيرة، عميقاً في ذاكرة الاحتلال الإسرائيلي، الذي بات يعاني من “صداع جنين” المستمر.
بالنسبة لنا في لبنان نبقى بشكل أساسي معنيون في تطورات الانتفاضة في الضفة الغربية عموماً، وفي جنين خصوصاً، لأن الصهيوني يهدف إلى تهويد الضفة والقدس المحتلين، حيث أكد رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو الذي قضى المدة الأكبر في رئاسة الكتلة منذ اغتصاب فلسطين، في لجنة الأمن في الكنيست: “لن يسمح بدولة فلسطينية، ويجب اجتثاث فكرة الدولة الفلسطينية”، أي بشكل أوضح: يريد تهويد الضفة والقدس، يعني استبعاد مبادرة الملك فهد عام 1981، ومبادرة قمة بيروت 2002، ويعني أيضاً تهجير الفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم، حيث يعتبر لبنان معنياً بهذا التهجير الجديد، والكل ما زال يذكر قصة “مرج الزهور” حينما أبعد العدو 418 من قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي إليها، ويومها رفض قائد الجيش العماد إميل لحود، باعتبارها منطقة عسكرية أن يغادرها المبعدون، رغم موافقة رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري على انتقالهم نحو البقاع أو الداخل اللبناني، وأصر لحود على عدم مغادرتهم مرج الزهور، حتى عاد المبعدون إلى الأرض التي أبعدوا عنها.
أحمد زين الدين
الثبات,أقلام الثبات, الجمعة 07 تموز , 2023